يعتبر الفيلم السوفييتي "طفولة إيفان" من الأفلام الفريدة من نوعها في تناول موضوع الحرب وبالذات الحرب العالمية الثانية. إلى جانب ذلك فهو الفيلم الأول للمخرج اندري تاركوفسكي والذي أطلق شهرته في العالم ومهد له الطريق ليصبح واحدا من أهم مبدعي السينما في العالم في الثلث الأخير من القرن العشرين.
اعتمد الفيلم على قصة قصيرة بعنوان "إيفان" للكاتب فلاديمير بوغولوف وتحكي عن معاناة طفل في الثانية عشرة من عمره شارك في الحرب ضد الاحتلال الألماني. وكان ستوديو "موسفيلم" أوكل مهمة إخراج الفيلم لمخرج معروف آنذاك. ولكن النتيجة النهائية للفيلم لم ترض أحدا. وتم تكليف مخرج آخر بتصوير فيلم جديد لكنه لم ينجح في مهمته. وهنا اقترح أحد أساتذة معهد السينما توكيل المهمة لتلميذ له تخرج حديثا وتوسم فيه مستقبلا مبدعا. وهكذا قرأ اندري تاركوفسكي السيناريو واقترح حلا إخراجيا لخصه بجملة واحدة فقط هي "إيفان يحلم". وهكذا اصبح اسم الفيلم الجديد بعد ان أخرجه تاركوفسكي "طفولة إيفان" ومزج فيه بين تصوير مشاهد لإيفان الطفل في أجواء الحرب ومشاهد أخرى يحلم فيها إيفان أو يتذكر طفولته السعيدة زمن السلم. ونتج عن ذلك في النهاية قصيدة سينمائية رائعة.
يبدأ الفيلم بمشهد لإيفان يراقب عش عنكبوت من خلف جذع شجرة في غابة ثم تصعد الكاميرا أعلى الشجرة لتطل على الغابة والحقل، ونرى إيفان يلهو بين الأشجار. ثم نسمع صرخة ونرى إيفان يستيقظ من حلم فيما هو مرمي بين الأشجار على أرض موحلة على ضفة نهر ضمن خطوط العدو. يسبح إيفان للضفة الأخرى حيث الجيش السوفييتي عائدا من مهمة استطلاعية خطرة فيما تتطاير طلقات الرصاص في الجو من حوله. نعرف من خلال الفيلم أن إيفان صار مقاتلا يسعى للثأر بعد ان تم قتل والدته من القوات النازية.
يتابع الفيلم بعد ذلك مصير إيفان الذي يصر على متابعة دوره كجاسوس خلف خطوط العدو رافضا قرار القيادة إرساله للدراسة. في المشاهد ما قبل الأخيرة من الفيلم ينطلق إيفان في مهمة جديدة عبر النهر. ولا يتابع المخرج ماذا يحدث معه. ونعرف من المشهد الأخير في الفيلم ان إيفان قد اعدم من قبل الألمان ، وذلك عندما يعثر الضابط الذي كان يعمل معه في السابق وشاركه مهمته الأخيرة وأثناء بحثه في وثائق الأرشيف النازي فور سقوط برلين في أيدي القوات السوفييتية ، على صورة إيفان من ضمن صور آخرين تم إعدامهم.
رغم أن فيلم "طفولة إيفان" يدور في أجواء الحرب وتجري أحداثه على الجبهة إلا انه لا يتضمن أي مشاهد حربية. كما أننا لا نرى ايفان في أي مشهد له علاقة بمهمته باستثناء المشهد الأول الذي يتسلل فيه ليلا عبر النهر عائدا لجبهته.
ولكن الفيلم بالمقابل يتضمن العديد من المشاهد الرائعة من طفولة وأحلام إيفان. ومن أجمل هذه المشاهد تذكره لوالدته وهما يراقبان انعكاس الضوء على الماء في أحد الآبار. وكذلك المشهد الذي اعتبره النقاد لوحة رائعة ونرى فيه الحصان يجر عربة محملة بالتفاح فتنقلب العربة وتمتلئ الأرض بحبات التفاح يلهو حولها إيفان مع طفلة جميلة فيما يقضم الحصان تفاحة من على الأرض.
يسعى فيلم "طفولة إيفان" لتصوير مشاعر الناس الطبيعية أثناء الحرب ولا يهتم بتصوير الحرب نفسها. ومن المشاهد الرائعة في مجال تصوير العلاقات والأحاسيس البشرية الطبيعية التي تبقى موجودة في الناس رغم الحرب المشهد الذي يصور فيه اندري تاركوفسكي لحظة العناق بين أحد الضباط على الجبهة وبين ممرضة شابة لم تكن لها أي علاقة من قبل. ونرى الضابط يسير يتنزه معها وسط الغابة وهو يخطط لمغازلتها، ثم يطلب منها ان تسير فوق جذع شجرة عال لكي يتأكد من شجاعتها. بعد ذلك يقف فوق خندق عميق باسطا قدميه على طرفيه الخندق. وعندما تحاول الممرضة القفز فوق الخندق يحملها فجأة ويضمها ويتركها معلقة في الهواء تتأرجح بين ذراعيه ويدخل في قبلة طويلة معها.
يتميز فيلم "طفولة إيفان" أيضا بروعة تصويره وبمؤثراته البصرية المبدعة، كما يتميز بالديكور الموحي الذي تجري فيه معظم المشاهد الداخلية وهو عبارة عن مبنى كنيسة مهجورة ومدمرة معلق وسطها جرس صغير، استخدمت كمقر عسكري.
يعتبر المخرج اندري تاركوفسكي واحدا من شعراء وفلاسفة السينما الكبار في القرن العشرين وهو قدم للسينما العالمية بعض اجمل وأروع أفلامها مثل فيلمه الثاني "اندري روبلوف"، وفيلمه "المرايا"، وكذلك فيلمه الأخير "التضحية ."
هاجر تاركوفسكي إلى السويد قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، وهناك اخرج فيلمين هما "حنين" و"القربان"، وكان فيلمه الأخير قبل ان يرحل عن الدنيا بعد معاناة شديدة من مرض السرطان. حازت أفلام اندري تاركوفسكي على العدد من الجوائز الدولية ومنها فيلمه الأخير "القربان" الذي حاز على جائزة كان لعام 1986. أما فيلمه الأول "طفولة إيفان" فقد فاز عام 1962 بالجائزة الذهبية من مهرجان فينيسيا الدولي افضل فيلم. وبلغت مجموعة الجوائز التي حصل عليها هذا الفيلم من المهرجانات الأخرى أربع عشرة جائزة.