"الصَبي ذو الدراجة" الذي عرضته لجنة السينما في مؤسسة عبد الحميد شومان حصل على جائزة مهرجان كان السينمائي الدولي عام 2011 مشاركة مع فيلم تركي بعنوان "حدث ذات يوم في الأناضول"
القصة تتناول محنة صبي في الثانية عشرة من عمره فجأة يجد نفسه يعيش في ملجأ بعد أن هجره والده دون مقدمات وباع دراجته التي تمثل بالنسبة له ووسيلته الوحيدة للخروج من العزلة.
في رحلة بحث بائسة عن الأب والدراجة تتعاطف معه سيدة شابة من نفس البلدة تمتلك صالونا لتصفيف الشعر فتحميه من شاب يتقرب منه ويستميله من أجل أن يستخدمه في السرقة و الترويج للمخدرات وحين يقع تحت طائلة البوليس بعد اعتدائه على أحد الشباب فهي تضمنه وتنقذه من عقوبة لابد أن تؤثر على حياته، تصحبه إلي حيث يعمل والده ولكن الأب الذي يعمل طاهيا في مطعم يضيق بالطفل ويمنعه من زيارته حتى لا يتعرض للطرد أو فقدان وظيفته. فهو لا يملك الوقت ولا المال لممارسة أبوته.
علاقة الأب الابن في فيلم "الصبي ذو الدراجة" مرسومة بشفافية ورقة وتأمل جيد في معني الحرمان العاطفي والاحساس بالضياع والوحدة والخوف من فقدان السند والعجز عن تصديق امكانية تخلي الأب عن ابنه حين يجسدها أب وغد وأناني مسكون بالخوف على معيشته، وحرر نفسه من المسئولية العاطفية والادبية والمادية إزاء ابنه الوحيد.
الأسلوب السردي ونسج العلاقات الانسانية المتعددة بين الشخصيات الثانوية تميز بالتكثيف والاعتماد على الايحاءات البصرية والنقلات المفاجئة بين المشاهد التي تختصر الأحداث وتعتمد على قدرة المتفرج على الربط بينها. الفيلم لا يزخر بالأحداث. ولكنه يموج بالمشاعر ويمتليء بالتقلبات النفسية المنسوجة برهافة وإبداع شاعري، وحس انساني بالتفاعلات البشرية وظروف الانسان الاقتصادية والاجتماعية.
ثمة ملاحظة لا بد من الإشارة إليها تتعلق بشخصية صاحبة صالون الحلاقة التي تعطف على الطفل وتحميه وكأنه ابنها وهي الشخصية الرئيسية الثانية بعد شخصية الابن:
لا يلجأ المخرجان إلى الطريقة التقليدية لتقديم شخصيتها في الفيلم والتي تفترض الحاجة إلى تفسير دوافع تصرفها وربطها بتاريخها الشخصي. يقدم الفيلم شخصيته كحالة واقعية في زمنها الحاضر، فليست الدوافع هي المهمة، بل الحالة لذاتها وبذاتها، والتي يفترض المخرجان أن يتقبلها المشاهدون كما هي.
الطفل هو الشخصية الرئيسية في الفيلم، وهو طفل شرس عنيد لا يقف شيء أمام إصراره على تحقيق هدفه، لكنه ليس بطلا بل ضحية مجتمع قاس لا يرحم تسود فيه المصالح الذاتية على القيم الإنسانية، من هنا تبرز أهمية علاقته مع صاحبة صالون الحلاقة التي تجسد حقيقة أن العالم لا يخلو من الناس الأخيار والمحبة البشرية.
من عوامل التميز في "الصبي ذو الدراجة" عدم الاحساس ب "الصنعة"، وكأن ما يراه المشاهدون شريحة حية مقتطعة من المنطقة السكانية التي تمثل مسرحا للأحداث. الشخصيات هي شريحة إنسانية صادقة ومقنعة ويمكن لأي انسان في أي مكان أن يتفاعل معها. مخرجا هذا الفيلم أخوان بلجيكيان هما جان بير داردين ولوك داردين وهما اعتادا أن يعملا سويا كثنائي يؤلفان ويخرجان وينتجان أفلامهما. وقد تميزت أعمالهما بالأسلوب البسيط والكاميرا المحمولة باليد والحس الانساني الفياض وتحقيق المعادلة الصعبة جداً ألا وهي البراعة الفنية مع التناول السهل الممتنع والعمق الانساني والذي يؤدي إلى القبول الجماهيري.