في عالمٍ كثرت فيه الخيارات وتنوعت على جميع الأصعدة، لم تنجُ الكتب من هذا التطور الهائل، فمكتبات العالم اليوم تعج بملايين الكتب في شتى المجالات حتى أصبحت عملية اختيار القارئ لكتاب واحد يجد فيه ضالته ضرباً من ضروب الخيال، لذا يلجأ العديد من القرّاء وخاصة القرّاء الجدد إلى الاستعانة بتوصيات ومراجعات الآخرين، أو التوجه إلى ما يسمى بقائمة الكتب الأكثر مبيعاً "بيست سيلر".
للوهلة الأولى، تبد هذه القوائم طوق نجاة سينتشل الغارقين في بحر عميق من الكتب والمعرفة اللامحدودة ويرسلهم إلى بر الامان حيث يجدون ضالتهم ومبتغاهم وكل ما يحتاجونه في كتاب واحد استعان به الكثيرون ممن سبقوهم، ما لا يجعل مجالاً للشك أنه الافضل، إذ لا يجتمع القوم على ضلالة.
إلا أنّ هناك اسئلة عديدة تطرح نفسها في هذا السياق؛ أبرزها كيف وصلت هذه الكتب إلى قائمة الأكثر مبيعا؟ وهل وصولها إلى هذه المرتبة الرفيعة يعني بالضرورة أنها الافضل من الناحية الادبية؟ وهل يعيبنا ان نجد العديد من هذه الكتب كتبا عادية، أم أن علينا الشك في ذائقتنا الأدبية وتهذيبها للتوافق مع الذائقة العامة ؟
بدايةً دعونا نتفق على أن تصدّر بعض الكتب لقائمة الكتب الأكثر مبيعا ليس بمحض الصدفة، وإنما هناك بعض الأسباب الرئيسية التي تميز هذه الكتب عن غيرها، أهمها :
- عمومية الجمهور المستهدف:
من أهم مميزات هذه الكتب انها غالباً ما تكون كتبا عامة، أي ليست متخصصة بمجال معين أو بشريحة معينة من القرّاء، ولكنها تخاطب جميع الأفراد على اختلاف ميولهم وخلفياتهم الثقافية، ما يوسع من دائرة قرّائها.
- مضمونها الجاذب
تركز على أن تحتوي بين طياتها مواضيع مثيرة للجدل، أو احداثا تحاكي الواقع خلال فترة نشرها.
- شهرة مؤلفيها
من الوارد جدا أن يتصدر أحد الكتب قائمة الأكثر مبيعا حتى قبل نشره، ويعزى ذلك إلى شهرة المؤلف، أو إصداره لمؤلفات سابقة لاقت رواجاً في حينها.
- براعة دور النشر بالترويج
تلعب دور النشر دوراً لا يستهان به بالترويج للكتب المنشودة، كاستعمال عبارات رنانة مثل "الكتاب الأكثر مبيعا"، "الأكثر انتشارا"، "تمت ترجمته لاكثر من لغة"، وتنجح هذه الدعايات غالبا بزيادة المبيعات، ما يدل على أن نجاح الكتب في الوصول إلى القمة قد يكون في كثير من الأحيان نجاحاً تجارياً متمثلا بنجاح دار النشر بالترويج.
هنا، يذكر، أن العديد من الكتب التي حققت ملايين المبيعات نجح على الصعيدين؛ الأدبي والتجاري، وأنه لا يجدر بنا التعميم أو الحكم على تلك الكتب بأنها جيدة أو سيئة، إلا أنني أرى ان التقييم الحقيقي للكتب بما تحتويه من علم وثقافة يجب ان يستند إلى "الكيف"، وهو جودة ما تحتويه من معرفة أو متعة، وليس أعداد النسخ المباعة، وأنه من الأجدر توجيه القارئ إلى الطريقة المثلى لإيجاد ميوله الثقافية والمعرفية بما يخدم مصلحته، بدلا من توجيهه إلى كتب مختارة قد لا تكون ذات قيمة فعلية له.
لضمان أن ما يتم بيعه وانتشاره بشكل واسع هو الأفضل بالفعل لا بدّ من التركيز على عاملين مهمين، وهما: وجود ناقدين متخصصين بمجالات الكتب المنشورة، بحيث يتم تقييم الكتاب باحترافية وبناءً على أسس واضحة ومتخصصة، إضافة إلى زيادة أعداد القرّاء المثقفين والواعيين بما يتم قراءته، والقادرين على تمييز الجودة، وهذا لا يتحقق إلا بالسعي الجاد نحو تحسين المستوى الثقافي للعامة بشتى الوسائل، بواسطة دورات تدريبية مختصة، وأندية ثقافية لتحفيز الأفراد وتشجيعهم على الالتزام بالقراءة، إضافة إلى الفعاليات والأنشطة الثقافية التي تتولى رعايتها مكتبات ومؤسسات متخصصة تعنى برفع المستوى الثقافي للمجتمع.
المراجع :
الأكثر مبيعاً.. جدل لا ينتهي | صحيفة الخليج (alkhaleej.ae)
ظاهرة "الأكثر مبيعًا" كنوع من النجاح التجاري لا الأدبي | نون بوست (noonpost.com)