أدى التطور التكنولوجي في وسائل الاتصال إلى تلاشي الحواجز المكانية والزمانية بين الأفراد والثقافات، وظهر ما يطلق عليه الإعلام الجديد الذي يمتاز بأنه اتصال تفاعلي ثنائي الاتجاه؛ حيث صار المتلقي مرسلا ومستقبلا في ذات الوقت، وانتهى عصر الهيمنة على المعلومات. ومن أبرز مظاهر هذا الإعلام الجديد وسائل التواصل الاجتماعي.
وسائل التواصل الاجتماعي تشمل العديد من التطبيقات المختلفة والمتباينة فهناك (x)، (تويتر) سابقا الذي يتقيد مستخدموه بحد أقصى من الحروف في التغريدة الواحدة، (فيسبوك) الذي يتيح إنشاء صفحات ومجموعات، ويتيح إمكانية مشاركة المنشورات والتعليق عليها، و(يوتيوب) الذي يتيح رفع التسجيلات المرئية مجانًا ومشاهدتها ومشاركتها والتعليق عليها، و(إنستاجرام)، الشبكة الاجتماعية لمشاركة الصور والفيديوهات، و(لينكدإن)، شبكة احترافية تساعد بالعثور على الوظائف والتواصل مع جهات مهنية وتعزيز العلاقات معها، و(ريسيرش جيت)، شبكة اجتماعية موجهة للباحثين العلميين بجميع التخصصات، و(جود ريدز) المهتمة بالكتب وبتوصيات وآراء المستخدمين حول الكتب والمؤلفين، وغيرها.
أحدث وسائل التواصل الاجتماعي – نسبيا – تتمثل في (التيك توك)، وهو شبكة اجتماعية لمشاركة الفيديو مملوكة لشركة (بايت دانس) الصينية، ويُستخدم لإنشاء مجموعة متنوعة من المقاطع المرئية القصيرة، مثل الرقص والكوميديا والتعليم، والتي تتراوح مدتها من 3 ثوانٍ إلى عشر دقائق. استطاع (التيك توك) أن يحقق نموًا سريعًا في عدد مستخدميه خلال سنوات قليلة، منذ تم إطلاقه في 2016، وتمكن من تحقيق إشباعات للمستخدمين دفعتهم للإقبال عليه بكثافة، فأصبح محط أنظار العلامات التجارية والشركات الطامحة في الوصول لشرائح واسعة من الجماهير لا سيما الشباب. ويعتزم (يو تيوب) إضافة ميزة التعليق الصوتي إلى الفيديوهات القصيرة على تطبيقه المستحدث (شورتس)، يأتي ذلك كمحاولة لاستنساخ أهم الميزات التي يقدمها منافسه اللدود (التيك توك)، والمتصدر لعرش الفيديوهات القصيرة مع قاعدة مستخدمين ضخمة.
ولكل وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي أسلوبها؛ فتويتر، مثلا، ليس مقالا ولا ورقة بحثية، وهناك من يتحايل عليه بتقسيم مقال كبير على عدة تغريدات ويقوم بترقيمها. ورغم تباين وتنوع أساليب وسائل التواصل الاجتماعي إلا أن أغلبها يشترك بوجود ما يعرف بمصطلح (التريند)، وهو مصطلح يُستخدم، أساسا، بمجال التداول في الأسواق المالية، ويُقصد به الاتجاه العام الذي تتطور فيه قيم السوق، أما في وسائل التواصل الاجتماعي فهو يعني استهداف وصول إحدى المشاركات سواء كانت نصاً أو صورة أو فيديو إلى أفضل ١٠ مشاركات مثلا، ما يساعد على مشاهدتها من معظم رواد التواصل الاجتماعي.
ولا يجب الاستهانة بوسائل التواصل، فقد لعبت دورا بارزا في التنسيق للثورة المصرية عام 2011، ما حدا بالسلطات المصرية أن تقطع خدمة الإنترنت عن غالبية المناطق مع تصاعد حدة المظاهرات. كما لعبت وسائل دورا في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، وقد حاولت دراسات استكشاف ما إذا كانت مناقشات وسائل التواصل المتعلقة بالانتخابات لها تأثير على نتيجة التصويت عن طريق التثاقف (acculturation) والاستقطاب (polarization). بينما بحثت دراسة حديثة في 2020 في مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي باستخدام تحليل البيانات الضخمة وتحليل المشاعر (Sentiment analysis) على البيانات التي تم جمعها من تويتر.
ورغم العديد من الدراسات التي أكدت زيادة وسائل التواصل الاجتماعي من وعي مستخدميها بالعالم الخارجي وتعريفهم على السياسات المحلية والعالمية، إلا أن لها جوانب سلبية، كالتشجع على انتشار المعلومات المضللة (misinformation). وغالبا ما يتعرض المستخدمون لآراء مشابهة لآرائهم فقط فيما يعرف بغرف الصدى (echo chambers). ويشارك المستخدمون التحيزات السياسية والانتماءات، والعرق، إلى غير ذلك من المعرفات الديموغرافية الأخرى. وتسمح غرف الصدى للمعلومات المضللة بالازدهار؛ لأن المستخدمين أقل احتمالًا للتحقق من صحة منشور بواسطة شخص يتعرفون عليه. وهناك العديد من الدراسات التي درست غرف الصدى عن لقاحات الكورونا أو التغيرات المناخية وغيرها من المواضيع المثيرة للجدل.
ومن الجوانب السلبية أيضا، أنها تزيد من المخاطر على الخصوصية (privacy) عبر الإنترنت. فضلا عن أن غالبيتها مجانية وتقوم بتجميع بيانات المستخدمين كالأنشطة والاهتمامات والخصائص الشخصية والآراء السياسية وعادات الشراء والسلوكيات عبر الإنترنت، ثم تتربح من بيع تفضيلات المستخدمين إلى المعلنين.
"وتصدق مقولة «إذا لم تدفع ثمن الخدمة فاعلم أنك المنتج المراد بيعه"
كما أن وسائل التواصل الاجتماعي عُرضة للعديد من المخاطر الأمنية، وتشمل الجرائم التي تحدث على وسائل التواصل الاجتماعي قيام الأشخاص بالتهديد والتنمر والمضايقة ومطاردة الآخرين عبر الإنترنت فضلا عن مخاطر الاحتيال أو سرقة الهوية. وتعاقب العديد من الدول العربية من يقوم بنشر الشائعات أو عرض محتوى "خادش للحياء" أو التشهير بالآخرين باستخدام المنصات.
ولوسائل التواصل الاجتماعي آثار نفسية منها إدمان هذه الوسائل كما قد تؤدي إلى الانسحاب الملحوظ للفرد من التفاعل الاجتماعي مما قد يؤدي إلى نوع من الاغتراب الاجتماعي. وأظهرت إحدى الدراسات بعض الآثار السلبية للإدمان على الإنترنت، ومن أهمها: اضطراب النوم، وأعراض الانسحاب عند البعد عن الإنترنت ومنها الكآبة والحزن، والميل إلى العزلة، والبعد عن مخالطة الآخرين، والكذب في الدردشة. وأظهرت دراسة قامت بها إحدى الجامعات الأمريكية أن هناك علاقة بين عدد الأصدقاء على (الفيسبوك) والنشاط اليومي على الحساب الخاص على (الفيسبوك) حيث قد يؤدى ذلك إلى النرجسية.
ومن الظواهر النفسية أيضا ظاهرة الخوف من فوات شيء (Fear of missing out) التي تُختصر بـكلمة فومو، وهي حالة تُصيب مُعظم من لديه حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تدفعهم إلى أن يكونوا على اتصال دائم خوفاً من فوات حدثٍ ما لا يُشاركون فيه.
وفي حوار مع عالم النفس د. (تيم بونو) ومؤلف كتاب "عندما لا تكون الإعجابات كافية" (When Likes Aren't Enough: A Crash Course in the Science of Happiness) ذكر أن هناك 6 ظواهر قد تؤثر سلبا على صحتنا العقلية وهي: الحسد والإدمان وعدم التواصل والتشويش وعدم النوم وتشتيت الانتباه. ونتوقف عند ظاهرة الحسد، فالوقت الذي يقضيه المتابعون في مشاهدة الصور "المثالية" على منصات التواصل الاجتماعي قد يثير غيرة المتابعين وحسدهم، ويؤثر ذلك على صحتهم العقلية دون أن يشعروا بذلك. فقد كشف باحثون في المعهد الدانماركي لأبحاث السعادة، عام 2015، أن العديد من الأشخاص يعانون من "حسد الفيس بوك" وأن من أخذوا استراحة منه لمدة أسبوع شعروا برضى عن حياتهم.
ومن تحليل الخطاب في وسائل التواصل الاجتماعي بصفة عامة نلاحظ صعود الخطابات الشعبوية، والشعبوية هي أيديولوجية، أو فلسفة سياسية، أو نوع من الخطاب السياسي الذي يعمل على دغدغة عواطف الجماهير، وهو خطاب دعائي، محرض على الكراهية، هدفه إثارة مشاعر الجماهير وشحنها بعدائية الآخر.
كما انتشرت ظاهرة الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية في وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة في مشاركة المقاطع المرئية والصوتية، بما يخالف الحماية الواردة في قوانين حماية حقوق المؤلف لأصحاب هذه الأعمال الفنية والأدبية والعلمية. وكم من كاتب يجتهد ويتعب حتى يكتب جملة لها وزنها ومعناها العميق إلا أن تلك الجملة سُرقت وأصبحت في اليوم التالي ملكاً للص على (الفيس بوك) أو (تويتر) وأصبح آلاف من المتابعين ينسبونها له دون أية إشارة للمصدر الأصلي.
وعلى الصعيد الأكاديمي فهناك إشكالية في نمذجة وسائل التواصل الاجتماعي؛ فهناك نماذج عدة لكن إلى أي مدى تنطبق على وسائل التواصل الاجتماعي؟ ومن ذلك نموذج لاسويل، ونموذج شانون وويفر، ونموذج شرام، ونموذج هايدر، ونموذج ليون فستنجر، ومؤخرا نموذج عبد الرحمن عزّي الذي يتألّف من سبعة عناصر متداخلة بنيويا وهي: المرسل، الرسالة، الوسيلة، المتلقي، الأثر، النظام الاجتماعي والبعد الحضاري القيمي. وذهب الفيلسوف الكندي ماكلوهان صاحب المقولة المشهورة: «الوسيلة هي الرسالة» إلى تبني فلسفة في تحليلاته جعلته يتنبأ بمفهوم: «القرية العالمية» قبل ثورة مواقع التواصل الاجتماعي بما يُقارب النصف قرن.
وفي كتاب «ثقافة تويتر» للمفكر السعودي عبد الله الغذامي يتحدث عن ظاهرة اجتماعية في تويتر ألا وهي «الازدواج الثقافي» بمعنى وجود حسابات تنادي بالحرية والديموقراطية ولكنهم يقومون بحجب المخالفين لهم، وهي ممارسة دكتاتورية تدل على طاغية مخبوء داخل من يمارس الحجب.
وهدفت دراسة حديثة إلى محاولة معرفة دور الإعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي في زيادة معدلات ثقافة الاستهلاك. بينما هدفت دراسة أخرى إلى محاولة استقصاء دور وسائل التواصل الاجتماعي في التنشئة الاجتماعية (Socialization). بينما هدفت دراسة من الجزائر إلى استقصاء تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على منظومة القيم الثقافية للمجتمع. والقيم هي مجموعة من المعاییر التي یحكم علیھا الناس بأنها حسنة ویریدونھا ويكافحون لتمریرھا إلى الأجيال التالية والإبقاء علیھا. ويرى البعض أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لا یصنع مثقفا؛ لأن هذه الوسائل تقدم المعلومات على شكل كبسولات تقدم المعلومات بصورة مختزلة وسطحية، ومن المستحيل أن يصنع هذا الاختزال مثقفا. وهذا الرأي مردود عليه بأن وسائل التواصل الاجتماعي تقدم الغث والسمين ولو تعلم المستخدم مهارات التفكير النقدي وكيف يقرأ ويفرز ويعلق فإن هذا كفيل بتفادي سلبيات ھذه الوسائل والاستفادة من إیجابیاتھا.
أما عن كيفية انتشار العناصر الثقافية من خلال منصات وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تم اقتراح مصطلح ميم الإنترنت، المعروف أيضا باسم الميم (meme) وهو عنصر ثقافي ينتشر عبر الإنترنت، واسمه مستوحى من مفهوم الميمات الذي اقترحه (ريتشارد دوكينز) في عام 1972. ويمكن أن تتخذ ميمات الإنترنت أشكالًا مختلفة، مثل الصور ومقاطع الفيديو. وتشمل خصائص الميمات حسها الساخر، واستخدامها للتناص، وانتشارها في نمط فيروسي (viral). وأشهر الميمات تداولا هو ضحكة (ياو مينج) وهو لاعب كرة سلة صيني معتزل لعب في الدوري الأمريكي لكرة السلة للمحترفين (NBA) مع نادي (هيوستن روكتس).