هل سبق وأن تساءلت يوما لماذا تخصص دول عظمى ومتقدمة علميا وصناعيا واقتصاديا مبالغ ضخمة لدعم طلاب دوليين في منح وبرامج وزمالات علمية؟ وماذا تستفيد هذه الدول من خلال تقديم هذا الدعم؟
يتقاطع عالم العلاقات الدولية وعالم الشراكات العلمية في مساحة صغيرة سُلط عليها الضوء في أوائل العقد الماضي وأطلق عليها مسمى "الدبلوماسية العلمية". وبالرغم من حداثة المسمى، إلا أن الدبلوماسية العلمية كممارسة تعود إلى عدة قرون توثقت إحداها في مؤتمر سولفاي الخامس في العاصمة بروكسل سنة 1927، والذي ضم أشهر العلماء حول أوروبا: اينشتين وماري كوري و15 اخرين من الحائزين على جائزة نوبل، لمناقشة نظرية الكم التي لم تكن آنذاك أكثر من فكرة، أما اليوم تعد سببا لثورة تقنية.
وفي المثال أعلاه، حيث استخدمت العلاقات بين دول أوروبا لإتاحة المساحة لهؤلاء العلماء بالاجتماع، ونقاش واحدة من أهم مبادئ العلوم في عصرنا الحالي، كشكل من أشكال الدبلوماسية العلمية. تتسم الدبلوماسية العلمية بتعدد استخداماتها، الأمر الذي سمح بتصنيفها إلى ثلاث نشاطات أساسية:
• إن كان الهدف هو استخدام التعاون العلمي لتطوير علاقات دولية، فهذا هو ما يطلق عليه العلم من أجل الدبلوماسية. ومثال ذلك ليس ببعيد جغرافيا، حيث يقع على أطراف محافظة السلط المركز البحثي الدولي، سيسامي، مركز ضوء السنكترون للأبحاث التطبيقية في الشرق الأوسط. المركز الأول والوحيد من نوعه في المنطقة لتقديم نتاج علمي على مستوى عالمي. تم إنشاء المركز باتفاق ما بين عدة دول ارتأت أهمية وجود منصة مثل سيسامي للنهضة بالبحث العلمي في المنطقة والارتقاء بها صناعيا واقتصاديا.
• يختلف الأمر عن استخدام الحقائق والأدلة العلمية لتقديم المشورة العلمية للقائمين على السياسات الخارجية وهو ما نسميه بالعلم في الدبلوماسية. وهو تماما ما تمثله الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة لمنظمة الأمم المتحدة. حيث تضم ثلة من الخبراء والعلماء في مجال التغير المناخي لتقديم الأدلة الدقيقة لصانعي القرار وتوجيه هذه القرارات لما يخدم مستقبل العالم.
• وأخيرا، عندما تستغل العلاقات الدولية لبناء شراكات علمية لتحقيق أهداف مشتركة فهذا هو ما نطلق عليه دبلوماسية العلم، وهو مثالنا في الصورة أعلاه. وتباعا
إجابة السؤال
وبعد التطرق للأشكال المختلفة للدبلوماسية العلمية وأشهر الأمثلة عليها، نأتي للإجابة على السؤال في بداية هذا المقال والسبب لقيام الدول بتخصيص هذه الأموال الطائلة للتعاون العلمي من خلال برامج وهيئات، حيث يمكن تلخيص الجواب في كلمتين: القوى الناعمة. حيث إن هذه البرامج والشراكات لها الأثر الكبير في العلاقات الدولية ونوعيتها. يشير بعض الدبلوماسيين إلى التعاون العلمي كأداة لكسر الجمود، ففي كثير من الأحيان، قد يكون الطرف الاخر من الطاولة هو أحد المستفيدين من هذه البرامج، الأمر الذي يساهم في تغيير اتجاه النقاش أحيانا. أو أن يكون وسيلة لبدء شراكة دولية جديدة من خلال تقديم الدعم للنشاطات العلمية ومنها التعمق في مجالات تعاونية مختلفة.
"القوة الناعمة للعلم لديها القدرة على إعادة تشكيل الدبلوماسية العالمية."
أحمد زويل، العالم المصري الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999.
ومن أبرز الشخصيات العربية في مجال الدبلوماسية العلمية، سمو الأميرة سمية بنت الحسن المعظمة، رئيس الجمعية العلمية الملكية، والتي اختارتها الأمم المتحدة مبعوثة خاصة لليونسكو للعلوم من أجل السلام. ويتعين على من يحمل هذا الدور دعم أعمال المنظّمة في مجال الدبلوماسية العلمية. وكان من أهم النتائج والتي كان لها صدى عال، استضافة وتنظيم المنتدى العالمي للعوم عام 2017 في الأردن، البحر الميت، والذي افتتحه جلالة الملك عبد الله بن الحسين الثاني دلالة على أهمية المنتدى.
المهارات المطلوبة
تختلف المهارات المطلوبة لهذا القطاع اعتمادا على الخلفية المهنية للشخص، لكنها وبشكل عام تنقسم إلى جزئيتين: الأولى هي الجزئية المعنية بالمعرفة والأخرى هي المهارات الحياتية. قد يكون ممارسي الدبلوماسية العلمية إما من قطاع العلوم أو من القطاع الدبلوماسي وبناء عليه ستختلف المهارات التي يحتاجها كل من هذه القطاعات.
حيث سيحتاج العالم لتطوير معرفته في العلاقات الدولية، العلوم الإنسانية من تاريخ وحقوق وعلوم سياسية، وأهمية القدرة على التمييز بين السياسة العامة والسياسة الخارجية. أما الدبلوماسي فعليه أن يكون على اطلاع بثقافة البحث العلمي وإدارته واعتماده الكبير في توجهاته على مصادر الدعم. ويسترك الاثنان في ضرورة معرفة حوكمة البحث العلمي والمؤسسات العلمية الدولية، وأهمية بناء قدرات البحث العلمي والتكنولوجي لتسخير نتاجه لحل المشكلات المجتمعية.
ومن أهم المهارات المطلوبة في أي قطاع ولكنها ذات أهمية خاصة في للدبلوماسية العلمية، هي مهارات التواصل. وتأتي الخصوصية من باب اختلاف العوالم المطلق واختلاف الاهتمامات وعليه ضرورة أن يكون التواصل واضح، مبسط، مباشر، مدروس، شفاف، وأخيرا حقيقي.
هذا، وغيره من المهارات مثل الخطابة، ومهارات التفاوض، ومهارات التحليل الكمي والنوعي وغيرها من المهارات الضرورية لكل من القطاعين.
التوجه
يولي العالم مؤخرا اهتماما أعلى بالدبلوماسية العلمية، حيث بدأت الجهات الأكاديمية بتنظيم دورات تدريبية ومناهج أكاديمية في السنوات القليلة الماضية لبناء قدرات المهتمين سواء من الدبلوماسيين أو العلماء على أفضل الممارسات في هذا المجال. ويقتضي التنويه بأن الدبلوماسية العلمية ليست المصطلح الوحيد الذي استجد في العقد الماضي. حيث ظهرت مسميات أخرى مثل الدبلوماسية التكنولوجية ودبلوماسية الطاقة والتعليم وغيرها، لتخصيص المجالات والتوجهات، وإدراك ذلك يساعدنا في استغلال هذه المنصات أفضل استغلال.
ختامًا
إن كنت من المهتمين في العلوم، شغوفا باستغلالها لحل المشكلات والمساهمة في جعل العالم مكانا أفضل، ولديك المهارات من التواصل والتجسير والترجمة التطبيقية، فقد تكون الدبلوماسية العلمية إحدى المهن لتطأ قدمك فيها وتبدأ ببناء مسيرة مهنية جديدة ومختلفة نوعا ما.
المراجع:
مؤتمر سولفاي الخامس: https://arsco.org/article-detail-515-8-0
سيسامي: https://www.sesame.org.jo/
الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ: https://www.ipcc.ch/languages-2/arabic/
إعلان اليونيسكو الأميرة سمية مبعوثة خاصة للعلوم من أجل السلام: https://www.unesco.org/ar/articles/tyyn-smww-alamyrt-smywt-bnt-alhsn-mbwtht-khast-llywnskw-lllwm-mn-ajl-alslam