ينتمي فيلم" شجرة التمني" إلى نوع أفلام الكوميديا السوداء حيث يختلط الضحك مع التراجيديا . والفيلم جرى اقتباس نصه من مجموعة عشر قصص قصيرة تدور أحداثها في قرية جيورجية عشية قيام الثورة الروسية. ويشتمل الفيلم على عدد كبير من الشخصيات وكل منها كيان قائم بذاته. ومعظم هذه الشخصيات يتسم بغرابة الأطوار و البله. ومن خلال هذه الشخصيات الغريبة الأطوار يرسم الفيلم لوحة لقرية تقف على أبواب تحولات كبيرة. والفيلم بهذا المعنى فيلم شخصيات وليس أحداثا متصلة بقصة متسلسلة.
يبدأ الفيلم بمشهد ساحر أخاذ: حصان أبيض يتهاوى إلى الأرض وهو وسط حقل من الأقحوان الأحمر، فيما يراقبه من مكان قريب طفل. ونعرف بعد ذلك أن الحصان يحتضر. وينتهي المشهد بإطلاق رصاصة الرحمة عليه.
بعد ذلك نتعرف تباعا على شخصيات الفيلم.نلتقي مع الرجل الثوري الذي نراه طوال الوقت يجوب أرجاء القرية وهو يشتم الجميع ويهدد بقرب وصول عاصفة الثورة، ونراه وهو ينحني نحو الأرض ويضع أذنه فوق ترابها محاولا سماع صوت قطار الثورة القادم، ولكنه رغم حماسه الثوري يتجمد في مكانه وينخرس لدى مرور حسناء القرية اللعوب، هذا فيما يلاحقه الأولاد ساخرين منه أو يمشون خلفه مشكلين ما يشبه عربات القطار الذي يقوده بنفسه بثقة. هناك أيضا المثقف العجوز الذي يجمع الأطفال من حوله ويلقي عليهم دروسا في الأخلاق دون أن يلاحظ أنهم يهزأون به. ونتعرف على الفلاحة الجميلة تثير فتحة صدرها المكشوفة الرجال وأولهم كاهن القرية المتصابي. ونلتقي في الفيلم مع المرأة العجوز التي تصطحب حفيدها الأبله الضخم الجثة وتأخذه إلى عجوز حكيم من القرية ينتمي إلى عائلة عريقة أن يصفع ابنها كي يشفى من علته، وحين يرفض تبحث عن كاهن القرية لتطلب منه الأمر ذاته. أما العجوز الحكيم الذي يبدو وكأنه الشخصية السوية الوحيدة في القرية والذي يسخر من الثوري وقطاره القادم فسنراه في لحظة ما وقد استلقى على الأرض محاولا سماع صوت قطار الثورة.
يتضمن الفيلم أيضا قصة تقليدية في بنائها لكنها غير تقليدية في تفاصيلها. إنها قصة حب بين فتاة في القرية ذات وجه ملائكي ينضح بالطيبة والبراءة وشاب فقير الحال، وحين تجبر الفتاة على الزواج من شاب من أثرياء القرية، يتسلل حبيبها الشاب إلى غرفتها وينتهي الأمر بمأساة مزدوجة، حيث يموت الحبيب وتوضع الفتاة فوق حمار يجوب بها أرجاء القرية عقابا لها تلاحقها لعنات العجائز، فيما يحاول الثوري وآخرون الدفاع عنها ولكن دون جدوى. ويتضمن الفيلم بعض المشاهد المتعلقة بجمال هذه الفتاة والتي لا تمحى من الذاكرة، مثل المشهد الذي نرى فيه ثلاثة شبان يتجولون سكارى في أزقة القرية يغنون بصخب ، ولكنهم ما أن يروا جمال الفتاة حتى يصعقون ويقفون أمامها ذاهلين ثم يتقدم منها أحدهم ويقول لها أنهم ذاهبون للحرب ويطلب منها أن تطبع على خد كل منهم قبلة تبعد عنهم المخاطر.
واحدة من ميزات الفيلم الكثيرة اختيار المخرج للممثلين. وليس الأمر يتعلق فقط في براعتهم في الأداء بل أيضا
في ملائمة ملامحهم وهيئاتهم لطبيعة الشخصيات التي يجسدونها. ولهذا السبب، حصل الفيلم في حينه، ومن ضمن جوائز متعددة، على جائزة التمثيل مشتركة بين جميع ممثلي الفيلم الرئيسيين.
مخرج الفيلم هو تنجيز أبولادزي، وهو من أصل جيورجي، و كان يعتبر من كبار المخرجين في العصر السوفييتي، لكنه لم يكن معروفا كما يجب في الخارج، إلى أن أخرج بعد انهيار الاتحاد السوفييتي فيلم" الندم" وهو فيلم سياسي ساخر وناقد، تدور أحداثه في فترة الحقبة الستالينية وترمز شخصيته الرئيسية إلى ستالين، مزج فيه المخرج بين الواقع والفانتازيا.