ينظر البعض إلى دروس التنمية البشرية كأنها سلعة تباع لا محتوى ولا هدف وهي صفقة مربحة يتاجر بها بعض العلماء، ورغم أني أحترم هذا الرأي لكني أخالفه، برز هذا العلم بقوة في السنوات الأخيرة، ظهر وانتشر كمحاضرات ودروس وكدورات تدريبيّة لتطوير الذات بما يتماشى مع ما استجد من متغيرات في عصرنا الحالي، أستطيع أن أعتبر هذا العلم من متطلبات العصر، لم يكن قبلا حاضر بقوة حتى أنّ البعض لم يسمع به أصلا، ما يعني أنّه علم مستحدث، أو ربما أُخذ عن بعض التفاصيل وتمّ التركيز عليه.
قبل ثلاثين عاما لم تكن هذه المادة شائعة، يذهب الطفل إلى المدرسة مع بعض الرفقة معتمدا على نفسه مجبرا على مواجهة أخطار الطريق سيرا على الأقدام لا من سيارة تقله وأحيانا لا مرافق له عدا بعض الرفقة في سنه عكس اليوم، التنقل يتم عبر وسائل النقل الخاصة أو العامة، فكيف إذن من لا يعرف تفاصل الطريق إلى مدرسته أن يعرف رسم طريق لحياته؟
كان الطفل في الماضي يعتمد على نفسه في حل الواجبات ولا يحتاج لدروس الدعم، لا يرهق الأهل ماديا ولا معنويا يراجع دروسه مع إخوته أو بمفرده ، وأثناء اللعب أو السير يتعثر، يسقط فينفض الغبار عن ملابسه ويقوم ليكمل السير، و يتجاوز
عقده دون اللجوء إلى طبيب نفساني
في الوقت الحالي تربية الطفل تغيرت فهو يعتمد في كل تحركاته على دعم من محيطه فيكبر على تلك الحال متردد في اتخاذ القرار، متخوف من المجهول، كان للمحيط دورا كبيرا في تنمية فكر الطفل، العائلة الكبيرة- الجد والجدة والأعمام والعمات- الكل يساهم في توعية الطفل، خاصة الأم التي كانت متفرغة تماما لمهامها الوحيد هو الاعتناء بالبيت والعائلة.
تأسيس الأب لعائلة منفصلة عن العائلة الكبيرة وعمل الأم أثرا كثيرا على محدودية النمو الفكري والعضلي عند الطفل وحتى النمو الجسدي خاصة في نوعية الاطعمة.
عندما نقارن ما كان يناوله الطفل في الماضي وما أصبح يتناوله في الوقت الحاضر بدءا بالرضاعة الطبيعيّة والأغذيّة الصحيّة التي حُرم منها طفل اليوم بسبب الظروف.
الكل يعلم الاختلاف بين البشر، قوة التفكير والقدرة على الاستيعاب وخاصة كيفية التعامل مع المواقف، إضافة إلى المحيط الضيق الذي أصبح الأشخاص ينحصرون فيه بسبب انتشار الجريمة كاختطاف الأطفال وبيع المخدرات والسرقة والاعتداءات التي حدّت من تحركات الأشخاص و التباعد بين الأسر، كذلك هذا التطور التكنولوجي الذي باعد حتى بين أفراد الأسرة الواحدة فتجد كل فرد منعزلا في غرفته يداعب هاتفه، كل هذه التغيرات أثرت على تنمية قدراتهم الفكرية والجسدية من خلال نقص الحركة في تقويّة الجسم والفِكر و اكتساب الخبرة من خلال التجربة مثل الاكتشاف والتنقل والاعتماد على النفس .
لا يكف درس نظري دون تطبيق فهذا يحد من تطور عقل وجسد الشخص، مهمّة التجربة حتى نتقبل الفكرة بعد أن يصبح تحقيقها ممكنًا، خاصة إذا علمنا أنّ الطفل يلجأ دائما إلى فعل ما ينصحه الأهل على اجتنابه، قد تكون العواقب سيئة لكن التجربة تجعله يجتنب تِكرار الفعل في المستقبل.
التنميّة البشريّة تعطينا خريطة الطريق، تختصر المسافات وتجعلنا نقتنع بالفكرة والبدء بتطبيقها دون إضاعة للوقت، تضع أمامنا المشاكل وتعطينا الحلول كأنها أداة لرفع الحواجز.
لا حرج من الاستعانة بمساعد إن كنّا عاجزين عن أداء مهامنا، لكلّ عصر متطلباته، تتغير الوسائل المتاحة مع التطور وحتى نواكب العصر يجب علينا الأخذ بالحلول طالما قبلنا بأخذ المعطيات.