بغداد عاصمة الدولة العباسية[التي تحكم معظم العراق وأجزاء من إيران حالياً والحاكم هو الخليفة العباسي المستعصم, وذروة سكان المدينة يقارب المليون نسمة بالرغم من أن ضعف قوتها وتأثيرها ولكن لاتزال الخلافة العباسية متماسكة منذ 500عام, فالتي كانت قوية أضحت الآن لا تستطيع السيطرة إلا على أماكن صغيرة وأصبح سلطتها شكلية والذي يحكم هم قادة الجيوش من الترك والمماليك, ولكن لايزال اسم الخلافة له مكانته بقلوب المسلمين ولاتزال بغداد حاضرة العالم الإسلامي وقلبه النابض سواءً بالثراء الثقافي أو المادي.
تركيبة الجيش المغولي في حصار بغداد
قاد الجيش المغولي هولاكو خان ومعه القائد الصيني جو خان نائبه بالقيادة المخصصة لبغداد في نوفمبر من سنة 1257م. ولم يكن هولاكو وحده بوذي المذهب ولكن معظم كبار قادة جيشه كانوا كذلك حسب ما كتبه رينيه جروسيه بكتابه(إمبراطورية السهوب, تاريخ أواسط آسيا)بالإضافة إلى الجيش الرئيسي من غير المسلمين, كان معه من ضمن الجيش قوات مسلمة شاركت معه هجومه على بغداد الكتاب الحاليين عللوا ذلك بتمزق الجبهة الإسلامية لكن يجب أن ناخذ بالإعتبار أن المسلمين المنضويين تحت إمرة هولاكو كانوا ذوو مذاهب متعددة ومن جميع الطوائف الدينية الإسلامية وهكذا لا نرى فقط أن "زهرة الإسلام تذوى" كما قال(ستيفن داتج), بل تتمزق وتنقسم إلى عداوات مميتة منذ البداية, نفس الشيء الذي يحصل هنا فهو موجود بالديانات الأخرى كالبوذية والمسيحية, فقد مزقتهم الحروب والمنافسات. فقد حصل بتلك الفترة من التاريخ العالمي مالم يحصل أبداً بتاريخ البشرية: حوادث يندي لها جبين الإنسانية, أخ يحارب أخاه, أحداث دموية طاحنة, أخوة يشربون دم أخوهم.سار هولاكو بأضخم جيش مغولي على الإطلاق وبأمر من منكو خان, واحد من كل عشرة مقاتلين بالإمبرطورية كلها يجب أن يذهب مع هولاكو وأنضم إليهم جيوش من جورجيا الذين كان لهم دور نشط بتدمير المدينة ألان ديمورجيه قال بأن هناك قوات من الفرنجة من إمارة انطاكيا الصليبية كانت لهم مشاركة بالهجوم وحسب أقوال المؤرخين بأن هناك ألف من خبراء المتفجرات الصينيين بالإضافة إلى جيوش من الأرمن
والجورجيين والفرس والترك الذين شاركوا بالحصار
طالب هولاكو الخليفة بالاستسلام ولكن الخليفة العباسي رفض محذرا المغول بأنهم سيواجهون الغضب الرباني إن هم هاجموا الخلافة, والكثير من المؤرخين يقولون بأن الخليفة فشل بالتجهيز لهذا الهجوم فلم يستطع أن يكوِن جيش بسبب طرد الجنود وشطبهم من ديوان الجند من قبل وزير الدولة ابن العلقمي الذي لم يقو أسوار المدينة أيضا. وأن الخليفة بالإضافة لفشله بتجهيز ماسبق فإنه أساء كثيرا لهولاكو بتهديده إياه, إضافة إلى وثوقه المبالغ به لوزير الدولة ابن العلقمي وهذا مما ساعد على تدمير المدينة مع أن مونكو خان أمر أخاه هولاكو بالمحافظة على الخلافة إن وافق الخليفة على الخضوع لسلطة المغول. قبل التوجه لبغداد دمر هولاكو قبائل اللور, وبمجرد السماع به استسلمت طائفة الحشاشين عندما حاصر قلعتهم المنيعة المسماة قلعة ألموت بدون أي مقاومة، ولكنه قضى عليهم تماماً باستثناء نصير الدين الطوسي الذي لحق هولاكو عام 1256, ثم تقدم صوب بغداد.على مقربة من بغداد قسم هولاكو قواته قسمين شرقي وغربي نهر دجلة حتى يحكم الحصار. استطاع جيش المسلمين أن يصدوا بعض القوات المهاجمة صوب الغرب ولكنهم هزموا بعد ذلك. القوات المغولية دمرت بعض السدود وأغرقت الأرض خلف جيش الخليفة لإيقاعهم بالكمين, مما أدى بالكثير من العسكر إما ذبح أو مات غرقاً. وبأمر من جوخان فإن الوحدات الصينية من الجيش المغولي طوقوا المدينة وبنوا الحواجز والخنادق وأحاطوا المدينة بآلات الحصار من المناجيق والمقالع وبدأ الحصار بتاريخ 29 يناير/كانون الثاني, وكانت المعركة سريعة بواسطة الحصار المحكم. وكان المغول قد احاطوا بكل أسوار المدينة, وحاول الخليفة المستعصم المفاوضة ولكن الوقت قد تأخر على المفاوضة فبغداد محاصرة, دخل المغول المدينة وبدأوا إسبوع من المذابح والنهب الإبادة.
تدمير بغداد
- بيت الحكمة: كان يحتوي على عدد غير محدود من الوثائق والكتب التاريخية النفيسة من المواضيع التي تحتوي من الطب إلى الفلك وجميعها دمر, الناجين من البشر يقولون بأن دجلة كان أسود من الحبر بسبب الكميات الهائلة من الكتب المرمية بالنهر.
- الكثير من الأهالي حاولوا الفرار ولكن المغول يعترضونهم ويقتلونهم بشكل عشوائي, عدد القتلى كان حوالي 90,000 عند بعض التقديرات ولكن تقديرات أخرى أعطت أعداد أكبر بكثير من هذا الرقم, أي من 200,000 إلى المليون أو المليونين شخص قد قتل
- المساجد والقصور والمكتبات والمستشفيات نهبت ثم دمرت. الأبنية الكبيرة التي كانت تعمل لأجيال نهبت وأحرقت ثم سويت بالأرض. قبض على الخليفة وأجبر على رؤية الدمار الحاصل للمدينة والقتل للناس ونهبت كنوزه كلها. معظم التقارير تكاد تتفق على أن الخليفة قتل دهسا بالخيل, لف بواسطة السجاد وجعلوا الخيل تدوسه حتى الموت, وكانوا يعتقدون بأن الأرض ستغضب كثيرا إن مسها دم ملكي. وقتل جميع أبنائه ماعدا واحد منهم أبقوه حياً وأرسلوه إلى منغوليا.اضطر هولاكو بنقل مخيمه عكس الريح عن المدينة بسبب رائحة الموت والدمار الذي ينبعث منها. كان المغول يدمرون كل مدينة تبدي أي مقاومة لهم, والمدن التي تستسلم مباشرة لهم يمكن أن يتركوها لتنجوا. تدمير بغداد كان نوع من التكتيك العسكري لكي يجعل المدن أو الولاة الآخرين يستسلمون دون قتال, وقد نجح ذلك مع دمشق ولكنه فشل فشلا ذريعا مع المماليك الذين بدلا من أن يقاوموهم فقد هزموهم هزيمة نكراء بعين جالوت وهي المعركة الأولى التي لم يستطع المغول الانتقام لها.
بعض التعليقات على تدمير بغداد
- العراق ما قبل عام 1258 كان مختلف جداً عن عراق الحاضر. اعتمدت أنظمة الزراعة على شبكة ري عمرها آلاف السنين. بغداد كانت من أفضل المراكز الفكرية بالعالم. تدمير المغول لبغداد كانت ضربة معنوية للإسلام بحيث من القوة لم تسترد عافيتها, الإسلام تحول فكرياً وازدادت الصراعات مابين الدين والفكر وأصبح الدين أكثر تحفظا. باستباحة بغداد ذبل النشاط الفكري. تخيل أثينا بمجدها وأرسطوها قد أزيلت ومحيت بقنبلة نووية فلنتخيل فداحة الضربة. ملأ المغول قنوات الري وأفرغوا العراق من السكان.
- جرفوا كل من بالمدينة كأنهم جوارح جائعة تنهش أي طير أمامهم, أو كذئاب مسعورة تهاجم الخراف اطلق لهم العنان وبوقاحة, نشروا الموت والرعب. الأسرة والوسائد المصنوعة من الذهب والملبسة بالجواهر قد قطعت بالسكاكين إلى اجزاء وقطع صغيرة. هؤلاء الذين تستروا خلف لباس الحريم سحبوا على الأرض خلال الشوارع والأزقة حتى أضحوا إلعوبة.. حتى مات الناس بين يدي الغزاة." "أصاب الناس في هذه السنة بالشام وباء شديد، وذكروا أن سبب ذلك من فساد الهواء والجو، فسد من كثرة القتلى ببلاد العراق، وانتشر حتى تعدى إلى بلاد الشام.
تدمير شبكات الري و تأثيره
يعتقد بعض المؤرخين بأن غزو المغول قد دمر الكثير من البنى الأساسية للري والتي كانت موجودة منذ حضارة مابين النهرين قبل آلاف السنين. قطعت قنوات الري بسبب التكتيك العسكري, وكانت أعظم الأعمال التهديمية التي ارتكبها هولاكو هي التخريب المتقن في السدود والأنهار ونواظم الإسقاء ولم ترمم بعد ذلك, تسبب قتل أناس كثيرون وهروب غيرهم إلى عدم تصليح نظام الري ولم تقم بذلك أيضاً أي هيئة أخرى لهذا إما أن تكون دمرت أو ملئت بالطين والطمي. مؤرخين أخرين أشاروا إلى نقطة تملح التربة كجريمة انحطاط الزراعة
دور ابن العلقمي في الاستيلاء على بغداد
يرى أحد الكتاب وهو ريوفان أميتاي بريس ان المغول تلقوا المساعدة من المسلمين الشيعة الذين يحملون الحقد ضد المسلمين السنة.اما ابن كثير فقد ارجعها إلى فتنة عظيمة حدثت بين الشيعة و السنة نهبت فيها الكرخ و مناطق الشيعة في المدينة ووصل السلب و النهب حتى بعض اقارب الوزير ابن العلقمي قبل عام من سقوط بغداد مما زاد حنقه على الخليفة خاصة والسنة عامة و نتيجة لذلك سهل لهولاكو دخول بغداد و اصبح ابن العلقمي وزيراً لهولاكو، لكن كاتب آخر وهو ديفيد نيكول زعم بأن معظم الشيعة الذين انضموا إلى جيش المغول لم يكن بدافع الخوف من أن يقتلهم المغول, مع أن من قاومهم قد لاقى مصير الموت, فهم استسلموا لهم مباشرة وأغلبهم من جنوب فارس وأيضاً ما يعرف اليوم بشمال العراق وقد سمح لهم بأن يعيشوا ولكن بما أنهم يخضعون لحكم المغول فيجب عليهم أن يمدوا الجيش المغولي (و سمي بعد ذلك بإلخانات) بالرجال. ولينظم هولاكو ذلك أدخل تلك القوة بجيشه مع أن الغالبية الساحقة من جيشه كانوا مغول (واحد من كل عشرة من المغول ينضم لجيشه) والقبائل التركية الخاضعة للمغول0
لماذا سقطت بغداد العباسية
ظل المستعصم كدأبه غارقًا في لهوه وعبثه، غير مبال بما يحيق بالخلافة التي كانت قد انحصرت في بغداد وما يجاورها، من خطر التتار القريبين جدا منه، يقول ابن الطقطقى في "الفخري": "في آخر أيّامه قويت الأراجيف بوصول عسكر المغول صحبة السّلطان هولاكو فلم يحرّك ذلك منه عزما، ولا نبه منه همّة، ولا أحدث عنده همّا، وكان كلّما سمع عن السّلطان (هولاكو) من الاحتياط والاستعداد شيء ظهر من الخليفة نقيضه من التّفرط والإهمال، ولم يكن يتصور حقيقة الحال في ذلك، ولا يعرف هذه الدّولة- يسّر الله إحسانها وأعلى شأنهاحقّ المعرفة وما زالت غفلة الخليفة تنمي ويقظة الجانب الآخر تتضاعف، حتّى وصل العسكر السلطاني إلى همذان وأقام بها مُديدة، ثمّ تواترت الرّسل السّلطانيّة إلى الدّيوان المستعصميّ، فوقع التعيين من ديوان الخليفة على ولد أستاذ الدّار، وهو شرف الدين عبد الله بن الجوزيّ، فبعث رسولا إلى خدمة الدّركاه السلطانيّة بهمذان، فلمّا وصل وسمع جوابه علم أنه جواب مغالطة ومدافعة، فحينئذ وقع الشّروع في قصد بغداد وبثّ العساكر إليها
ومهما يكن من رسالة ابن الجوزي فإننا على الجانب الآخر نرى أبو الفداء الأيوبي (ت732هـ) يؤكد أن اتصالات سرية تمت بين ابن العلقمي والمغول شجعهم فيها على غزو العراق، قال: "أرسل ابن العلقمي إلى التتر أخاه، يستدعيهم، فساروا قاصدين بغداد في جحفل عظيم"
الخروج المغولي الكبير!
مع ارتقاء مُنكوخان بن تولي سنة 650هـ - بعد أن وضع حدًا للنزاع بين بيتي خغطاي وأجطاي، وبعد أن ثبت مركزه وقتل أحفاد أجطاي الذين دبروا المؤامرة ضده – أخذ يعيد المجد المغولي القديم، ويُحيي الحماس في نفوس قومه؛ فأعد العدة لإرسال حملتين؛ إحداهما إلى الصين والأخرى إلى فارس والعراق.
وما يهمنا هي حملة الغرب التي قضت على الخلافة العباسية بالكلية بعد ذلك؛ فقد أسندها الخان الأعظم مُنكو إلى أخيه هولاكو وعنى بها عناية فائقة وذلك منذ سنة 651هـ؛ والأدلة على ذلك كثيرة منها أنه وضع تحت تصرف هولاكو جيشين كبيرين كلاهما حقق نجاحات قوية؛ فالأول كان قد أرسله إلى إيران. والثاني إلى كشمير وهندستان. كما أمده بألف من الرجال ذوي الخبرة في آلات إدارة الحرب وقاذفات النفط وكانوا قد أُحضروا من بلاد الخطا من ما وراء النهر لهذه المهمة، وقد كانت بعض هذه الآلات عبارة عن جاذبات أقواس ميكانيكية تدور بعجلات ويمكنها أن تقذف ثلاثة أقواس في وقت واحد، وكل قوس منها يرمي سهامًا يبلغ طول الواحد منها ثلاثة أو أربعة أذرع. وعين فرقة خاصة من الأسرة الحاكمة ذاتها لحماية هولاكو في مهمته تلك، ثم لم يُهمل في الوقت ذاته تموين الجيش؛ فخصص لكل جندي ألف كل ما يحتاجه من المأكل والمشرب.
ومن ثم لم يكن أمام المغول بعد استيلائهم على أملاك الدولة الخوارزمية بالكلية سنة 628هـ أي قوة تستطيع اعتراض طريقهم نحو الغرب وكان الحكام المسلمون يعرفون تمام المعرفة أهمية الدولة الخوارزمية، كحاجز قوي بينهم وبين المغول، لكن سقوطها فتح الباب واسعًا لمزيد من توسعات المغول، ومن ثم حرص منكو خان على إعداد حملة هولاكو إعدادًا محكمًا يكفل لها النجاح كما ذكرنا، ثم رسم لأخيه الخطة التي كان عليه أن يتبعها حيث قال له: إنك الآن على رأس جيش كبير وقوات لا حصر لها فينبغي أن تسير من توران وحافظ على تقاليد جنكيز خان وقوانينه في الكليات والجزيئات وخص كل من يطيع أوامرك ويتجنب نواهيك في الرقعة الممتدة من جيحون حتى أقاصي بلاد مصر بلطفك وبأنواع عطفك وأنعامك، أما من يعصيك فأغرقه في الذلة والمهانة مع نسائه وأبنائه وأقاربه وكل ما يتعلق به، وابدأ بإقليم قهستان في خراسان، فخرب القلاع والحصون، فإذا بادر خليفة بغداد بتقديم فروض الطاعة، فلا تتعرض له مطلقًا، أما إذا تكبر وعصى فالحقه بالآخرين من الهالكين، كذلك ينبغي أن تجعل رائدك في جميع الأمور العقل الحكيم والرأي السديد، وأن تكون في جميع الأحوال يقظًا عاقلاً، وأن تخفف عن الرعية التكاليف والمؤن، وأن ترفه عنهم، وأما الولاية الخربة، فعليك أن تعيد تعميرها في الحال، وثق أنك سوف تفتح ممالك الأعداء، حتى يصير لك فيها مصايف ومشاتي عديدة، وشاور دقوز خاتون في جميع القضايا والشئون.
قد مرَّ سقوط بغداد على يد المغول بمرحلتين:
الأولى: مرحلة المراسلات بين الجانبين وفشلها.
والثاني: الاقتحام العسكري.
فأما المرحلة الأولى التي تمثَّلت في المكاتبات والمراسلات بين هولاكو والخليفة المستعصم، فقد بدأت منذ القضاء على الإسماعيلية في نهاية عام 654هـ، وبعد انتقال هولاكو بجيشه من قزوين إلى همذان.
وبعد إعداد العدة في همذان وصحرائها، وفي 9 ربيع الآخر سنة 655هـ وصل هولاكو إلى دينور قاصدًا بغداد، ومن هناك رجع إلى همذان مرة أخرى في 12 رجب من السنة ذاتها، وفي 10 رمضان أرسل رسولاً إلى الخليفة مزودًا بالتهديد والوعيد
لقد كان هولاكو حانقًا على الخليفة المستعصم لأنه لم يمده بالمساعدة والعون للقضاء على عدو مشترك كالإسماعيلية، أو حتى لإظهار خضوعه واعترافه بسيادة المغول، ولم يشأ هولاكو أن يخالف وصية أخيه الأكبر خان المغول التي أمره فيها ألا يعتدي على الخليفة العباسي طالما خضع له، لكن المستعصم لم يشغله ما حدث بين المغول والإسماعيلية من حروب، ولم يملك المبادرة لتحقيق المصلحة التي تستوجبها اللحظة الفارقة تلك، قال ابن العبري: "وكان (هولاكو) في ايام محاصرته قلاع الملاحدة (الإسماعيلية) قد سيّر رسولا الى الخليفة المستعصم يطلب منه نجدة فأراد ان يسيّر ولم يقدر ولم يمكّنه الوزراء والأمراء وقالوا: ان هولاكو رجل صاحب احتيال وخديعة وليس محتاجا الى نجدتنا وانما غرضه إخلاء بغداد عن الرجال فيملكها بسهولة".
مراسلات بائسة!
واللافت أن الخليفة كان مشتت الانتباه بين كبار رجال دولته خاصة بين رأي الوزير ابن العلقمي وقائد الجيش مجاهد الدين أيبك وأمير علم الخليفة وحرسه الخاص سليمان شاه بن برجم.
وبعد انتصار هولاكو أرسل إلى الخليفة يقرعه ويوبخه بسبب عدم انصياعه لما أمره به من إرسال الجنود والعتاد لمعاونته؛ فأشار ابن العلقمي بإرسال هدايا قيمة لعلها تهدئ من غضب هولاكو، وقد عزم الخليفة بالفعل على إرسال هدية فخمة "وعندما أخذوا في تجهيز ما يسيّرونه من الجواهر والمرصعات والثياب والذهب والفضة والمماليك والجواري والخيل والبغال والجمال قال الدويدار الصغير وأصحابه: ان الوزير انما يدبّر شأن نفسه مع التاتار وهو يروم تسليمنا إليهم فلا نمكنه من ذلك. فبطل الخليفة بهذا السبب تنفيذ الهدايا الكثيرة واقتصر على شيء نزر لا قدر له" ومع ذلك منّى الخليفة نفسه بعلاقات طيبة مع المغول فبعدما تقاعس عن أداء الهدايا لهولاكو "قال: لا خوف من المستقبل؛ لأن بيني وبين هولاكوخان وأخيه منكو قآن روابط ودية، ومحبة صميمية لا عداوة ونفرة، وحيث إني أحبهم فلا شك أنهم يحبونني ويميلون إليّ، وأحسب أن الرسل قد بلّغوني عنهم كذباً، وإذا ظهر خلاف فلا خشية منه؛ لأن كل الملوك والسلاطين على وجه الأرض بمنزلة جنود لنا، فهم مطيعون ومنقادون فلا خوف من تهديد المغول ووعيدهم، ولو أنهم ممتنعون بقوة وشوكة ... فهم بالنسبة للعباسيين لا أهمية لهم" هكذا كان الخليفة الحالم المتخم بغيابات الوهم، الجاهل بأربعين سنة ماضية قتل فيها المغول عشرات الآلاف من رعايا الدولة الإسلامية في شرق العالم الإسلامي!!
لقد اشتاط هولاكو غضبًا من هذا الفعل المتدني الذي لا يليق به، فأرسل مرة أخرى يقول: "لقد أرسلنا إليك رسلنا وقت فتح قلاع الملاحدة وطلبنا مدداً من الجند، ولكنك أظهرت الطاعة ولم تبعث الجند وكانت آية الطاعة والاتحاد أن تمدنا بالجيش عند مسيرنا إلى الطغاة، فلم ترسل إلينا الجند والتمست العذر ولا بد أنه قد بلغ سمعك على لسان الخاص والعام، ما حل بالعلم والعالمين على يد الجيش المغولي، منذ عهد جنكيز خان إلى اليوم، والذي حاق بأسر الخوارزمية والسلجوقية وملوك الديالمة والاتابكية وغيرهم ممن كانوا ذوي عظمة وشوكة، وذلك بحول الله القديم الدائم، ولم يكن باب بغداد مغلقاً في وجه أية طائفة من تلك الطوائف، واتخذوا منها قاعدة وملكاً لهم، فكيف يغلق في وجهنا رغم مالنا من قدرة وسلطان؟ ولقد نصحناك من قبل، والآن نقول لك احذر الحقد والخصام.."
وشرط عليه قائلا:
"لا بدّ من مجيئه (أي المستعصم) هو بنفسه او يسيّر أحد ثلاثة نفر: إما الوزير وإما الدويدار وإما سليمانشاه".
وبالفعل طلب الخليفة منهم "المضيّ فلم يركنوا الى قوله فسيّر غيرهم مثل ابن الجوزي وابن محيي الدين فلم يجديا عنه.." ويظهر من رفض الثلاثة الكبار للذهاب إلى هولاكو مدى ضعف ووهن المستعصم وقلة هيبته بين كبار رجال دولته.
ويبدو أن رسالة شرف الدين بن الجوزي لم تكن إلا مزيدًا من سكب البنزين على النار، فبدلاً من تهدئة خاطر هولاكو والإذعان ولو الظاهري له، أرسل يقول:
"إن ملايين من الخيالة والرجالة على استعداد للحرب رهن إشارتي حتى إذا حلت ساعة الانتقام جففوا مياه البحر"
وكان مما جاء فيها أيضًا: "أيها الشاب الحدث ... المتمني قصر العمر، ومن ظن نفسه محيطاً ومتغلباً على جميع العالم مغتراً في يومين من الإقبال، متوهماً أن أمره قضاء مبرم، وأمر محكم، لماذا تطلب مني شيئاً لن تجده؟ ألا يعلم الأمير أنه من الشرق إلى الغرب وأنه من الملوك إلى الشحاذين ومن الشيوخ إلى الباب ممن يؤمنون بالله ويعملون بالدين، كلهم عبيد هذا البلاط وجنود لي. إنني حينما أشير بجمع الشتات سأبدأ بحسم الأمور في إيران ثم اتوجه منها إلى بلاد توران، وأضع كل شخص في موضعه، وعندئذ سيصير وجه الأرض مملؤ بالقلق والاضطراب" وكانت هذه هى بدايه النهايه لسقوط بغداد.
النتائج
- بعد سقوط بغداد بعام عين هولاكو عطاء الملك الجويني حاكما لبغداد وجنوب العراق والأحواز.
- بتدخل من زوجة هولاكو النسطورية دوكوز خاتون لم يتعرض أحد للسكان المحليين المسيحيين. وعرض هولاكو قصر الخلافة للنسطوري مار ماكيخا وأمر له ببناء كاتدرائية.
- النتائج اللاحقة تتعلق بالاختلافات التي حصلت لهولاكو بالنسبة لديانته البوذية.
المراجع
- السلوك لمعرفة دول الملوك لتقي الدين أبي العباس أحمد بن علي العبيدي المقريزي المتوفي عام 845 هجري، حوادث سنة 656 هجري