تعني البنيوية بدراسة ظواهر مختلفة كالمجتمعات والعقول واللغات والآداب والاساطير، فتنظر إلى كل ظاهرة من هذه الظواهر بوصفها نظاماً تاماً، أو كلا مترابطاً، أي بوصفها بنية، فتدرسها من حيث مسق ترابطها الداخلي لا من حيث تعاقبها وتطورها التاريخيين. كما تُعنى أيضاً بدراسة الكيفية التي تؤثر بها بنى هذه الكيانات على طريقة قيامها بوظائفها. أما في معناها الضيق والمألوف، فالبنيوية محاولة لإيجاد نموذج لكل من بنية هذه الظواهر ووظيفتها على غرار النموذج البنيوي للغة، وهو النموذج الذي وضعته الالسنية في أوائل القون االعشرين
ويكاد كل موضوع مادي في العالم أن يكون بنية. فيمكن النظر إلى شجرة بوصفها بنية وكذلك إلى أحد التشكلات الجيولوجية ، كما أن العاملين في مجال الأرصاد الجوية غالباً ما ينظرون إلى السحب بوصفها بنى. وبهذا المعنى، فإن العلم الفيزيقي بأكمله يقوم على تفسير العالم وسلوكاته من حيث بنيته الفيزيقية.
غير أن البنى لا تقتصر على الأشياء أو الموضوعات المادية. حيث يمكن لسجال ما أن يكون بنية، كما يمكن للعقل أيضاً أن يكون بنية تتألف من أنا، وأنا أعلى، وهو، وكذلك المجتمع، إذ يتألف من مجموعة من المراتب المترابطة فيما بينها كالأب والابن، والمستخدم والمستخدِم، أو من الطبقات المترابطة فيما بينها كالبرجوازية والبروليتاريا.
يمكن أن ندرج تحت عنوان البنيوية الذي ذكرناه آنفاً دراسات في البنية الاجتماعية في كل من علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، قام بها أنثروبولجيين من المدارس الانجلو- أمريكية كما قام بها كلود ليفي شتراوس نفسه؛ ودراسات في اللغات البشرية كتلك التي قدمها دي سوسور، وسابير، وتراث كامل في الألسنية العامة الحديثة؛ ودراسات في الأدب من وجهات نظر شكلانية تمتد من نورثروب فراي مروراً بالشكلانيين الروس وصولاً إلى البنيوية بمعناها الضيق. وفي هذا الطيف الواسع للبنيوية لا تحتل اللغة مكانة خاصة متميزة، فهي موضوع من موضوعات البحث البنيوي إلى جانب كثير غيرها.
ثمة أنساق بنيوية هامة في هذه الميادين جميعاً ينبغي تمييزها والتعرف عليها، حيث النسق البنيوي هو نسق الترابطات بين الاجزاء. فمن غير المستطاع رد هذه الميادين جميعاً إلى مجموعات غير مرتبة من الأجزاء الأولية والتعامل مع الخصائص الكلية بوصفها خصائص يشترك بها كل جزء مفرد، أو حتى بوصفها خصائص عامة للمجموعة كلها.
ثلاث أمثلة لهذه الخاصية البنيوية الضعيفة من المبتذل إلى المثير للنزاع :
1-إن الخصائص التي يختص بها مبنى ليست خصائص لبناته؛ إذ يمكن بناء مبنى مربع يرتفع أربعين قدماً بلبنات مستطيلة لا يزيد طولها على إنشات تسعة.
2- إن الخصائص التي يختص بها مقطع في نص ليست خصائص كلماته؛ فمعناه يختلف عن معنى أية كلمة مفردة، وعن معنى كل الكلمات المكومة معاً، وهو بنية خطية محددة بنيت من هذه الكلمات، كما يتوقف أيضاً على الانساق البنيوية في اللغة التي أتت منها هذه الكلمات.
3- لا يمكن أن نرد الخصائص التي تختص بها مؤسسة اجتماعية ما إلى خصائص البشر الذين يضطلعون بدور فيها. فشركة التأمين لا تتطابق مع أي من مستخدميها ولا مع جميعهم، وغاياتها ووظائفها لا تتطابق بالضرورة مع غاياتهم ووظائهم؛ فليس ثمة وعي جمعي من أي نوع لكي تكون له غايات ووطائف؛ ومع دلك فإن الشركة قائمة، ولها عايات ووظائف واضحة ومباشرة تماماً تعتمد على بنيتها الخاصة وعلى بنية المجتمع الاجتماعية والقانونية.
البنية والوجود الواقعي :
من غير الممكن تشكيل موضوع واقعي من بنية مجردة وحسب، إذ لا بد من بنية أجزاء واقعية. وهو أمر يكون واضحاً، كما قلت، بدى الحديث عن أشياء مادية مثل الميكانو، إلا انه غالباً ما يكون عرضة للاغفال والتجاهل من قبل أولئك الذين يتحدثون بطرائق معقدة ومتكلفة عن بنية العقل، مثلاً، فيجهدون أنفسهم في الايحاء بإن العقل مجرد بنية، لا يشكلها أي شيء على وجه التحديد.
البنية والوظيفة :
يمكن وصف سيارة بأنها عبارة عن هيكل وأربع عجلات ومحرك مرتبط بالعجلتين الخلفيتين، وهذا توصيف بنيوي. كما يمكن وصف هذه السيارة بأنها وسيلة تمكن البشر من التنقل بالسرعة على الطرقات؛ وهذا توصيف وظيفي، وهو توصيف مختلف عن التوصيف السابق.
المصدر :
من كتاب بؤس البنيوية: الأدب والنظرية البنيوية للكاتب ليونارد جاكسون