عبارة عن قطعة فسيفساء تمثل البطل أورفيوس Ὀρφεύς وهو يعزف على آلة القيثارة ويسحرالحيوانات المجتمعة من حوله بجمال أنغامه، وعذوبة موسيقاه. ففي فترة متأخرة من عصرالإمبراطورية الرومانية، كانت الموضوعات المحببة في التصوير هي منظر أورفيوس وهو يسحر الحيوانات والطيور بأنغام قيثارته البديعة وألحانه الخلابة. وقد عثر على العديد من النماذج الفسيفسائية التي كانت تتناول هذا الموضوع، وذلك رغم التنوع في الأساليب، وطرق التصوير (شكل 1).
ومع ذلك فقد ظل الموضوع واحداً، وانعكس على أمثلة كثيرة ومتنوعة بأنحاء العالم الروماني بدءا من أورشلیم وحتی جزيرة بريطانيا غرباً. ويمكن القول إن الفنانين لم يتبعوا طريقة واحدة فى التصوير، فأحياناً كانت الحيوانات تصور وهي محيطة بالبطل أورفيوس، وأحياناً أخرى لم تكن تلتف حوله، وإنما كانت تظهر متراصة داخل حلقات أو دوائر. ويمكن لنا الحديث عن أهم مثالين فى هذا الموضوع لكي نظهر الفرق بين المثالين فى الطرز المصورة وطريقة التصوير، أحد المثالين من منطقة فود بسويسرا والآخر من صقلية.
أولاً: فسيفساء أورفيوس Orpheus من فود (سويسرا)
المثال عبارة عن قطعة فسيفساء كبيرة عُثر عليها عام ۱۷۷۸ بالقرب من إيقونوند Yvonand (إقليم فود) بسويسرا. وفي هذه القطعة، صور الفنان أورفيوس داخل ميدالية، أو حلقة دائرية، وکان يجلس بالمنتصف، وحوله أسد وسنجاب وبجعة، بينما هناك طائر آخر يتكئ على قيثارته. وحول هذا المشهد نجد مربعات وأنصاف دوائر تحتوي علی ثماني حيوانات أخرى تنتمي إلى نفس المنظر. وهذه التركيبة كان يوجد فيما بينها اختلافات، وقد صور هذا الموضوع بأعداد كبيرة، ووجدت لوحات كانت تحوي حيوانات منفردة حول البطل أورفيوس. ويكمن تصوير الطبيعة فى تلك القطعة حيث التف حول أورفيوس حيوانات متوحشة مثل الأسد، ثم ظهر السنجاب، وأخيرا البجعة، إضافة لطائر آخر كان يتكئ على القيثارة ( شكل 2).
2- فسيفساء أورفيوس من بالرمو بـ (صقلية )
من المعروف أن عبادة وطقوس أورفيوس كانت من أشهر العقائد الإغريقية التي انتشرت في العصر الروماني. وقد عثر على هذه القطعة في فيلا تقع بالقرب من مدينة بالرمو، وتؤرخ بالقرن الثاني، أو الثالث الميلادي. وكانت القطعة مثلها كمثل غيرها من الأمثلة، تصور أورفيوس وهو يلاعب الحيوانات، ويسحرها بألحانه فقد ظهر أورفيوس وهو جالس على صخرة مرتفعة بعض الشىء لدرجة أن احدى قدميه تكاد لا تطول الأرض، وقد انتشرت عقيدته واستمرت لفترات طويلة. وجدير بالملاحظة، أنه في هذا المثال من پالرمو، نجد أن أورفیوس صور على طريقة شرقية نجدها متأثرة بمنطقة أسيا الصغرى، ويؤكد ذلك ارتداؤه للخوذة الفريجية فوق رأ سه تغطى الشعر عند منتصف الرأس، وتتركه ينسدل من جوانبها، ويبدو أن ملامح أورفيوس تظهر للعيان وكأنها ملامح أنثوية حيث نرى البراءة والرقة على ملامح الوجه جلية وواضحة ( شكل 3).
أما بالنسبة إلى الجسم، فهو متوسط الطول، ويبدو ممتلئ القوام بعض الشيء وقد ظهرت ذراعه اليمنى ممدودة، وقدماه واحدة يستند عليها وهو جالس، بينما الأخرى متدلية بحرية. وبالنسبة لملابسه، نراه يرتدي ثوبا قصيرا يصل إلى ما فوق الركبة. ونری حیوانات مستأنسة، وأخرى متوحشة وكذلك مبلورة من كل مكان تلتف حوله في دائرة، وتنصت له بفعل سحره، وموهبته الغنائية، خاصة نغماته التي يصدرها وهو جالس تحت شجرة. وفى احدى يديه قيثارته، واليد الأخرى تمسك بريشة الكتابة التي كانت على شكل الأزميل إلى حد ما ليكتب بها على الألواح الشمعية التى شاعت الكتابة عليها بالأدوات ذات السن المدبب.