يقدم الفيلم التركي الحديث" ليلة الصمت" للمخرج ريس سيليك، في أول فيلم روائي طويل له بعد مجموعة أفلام تسجيلية، تجربة مميزة ناجحة في مجال طرح موضوع شائع من زاوية جديدة وبأسلوب إخراجي مبدع مفعم بالشاعرية. يعالج الفيلم موضوع زواج رجل كبير في السن من فتاة قاصر عمرها ثلاثة عشر عاماً.
باستثناء أول خمس عشرة دقيقة هي بمثابة مقدمة للحدث الرئيسي، فإن باقي أحداث الفيلم تجري في غرفة واحدة تضم شخصين هما رجل في الستين من عمره وفتاة في الثالثة عشر من عمرها بعد أن جرى عقد قرانهما في احتفال تقليدي داخل إحدى القرى التركية.
الشخصية الرئيسية في الفيلم رجل أمضى سنوات طويلة في السجن لقتله والدته ورجلاً آخر دفاعاً عن شرف العائلة، وها هو يعود الآن من السجن إلى قريته ليجد أن عائلته قد رتبت له زواجاً من فتاة قاصر لم يرها من قبل. لم يكن هذا الزواج المرتب مجرد تقليد شعبي بل و خطوة تهدف لإنهاء جرائم الثأر الدموي بين العائلتين. يبدأ الفيلم بمشاهد الاحتفال التقليدي بالزواج حسب العادات الريفية، غير أن أجواء الفيلم سرعان ما تتغير ما أن يغلق العروسان باب غرفتهما عليهما، في حين سينتظر أفراد عائلتهما إعلان رجولة الزوج وعذرية الزوجة عندما تشرق الشمس. تبدأ من هذه اللحظة مفاجأة الفيلم، فهذان الشخصان اللذان تركا لوحدهما في الغرفة مصابان بالخوف، وكل منهما له أسبابه الخاصة. يدرك الاثنان أن عليهما تنفيذ عملية الزواج وفق العقد، لكن كلاهما لا يعرف كيف سيقدم على ذلك.
منذ بداية الفيلم وحتى بعد حوالي عشر دقائق من خلوة العروسين في غرفتهما لا يبيّن المخرج وجه العروس بل يغطي رأسها ووجهها بوشاح أحمر جميل وهي ترتدي ثوب الزفاف الأبيض وتجلس خافضة الرأس بلا حراك فوق سرير الزوجية. ويبدو منظرها لوحة جميلة تنتمي إلى فن عصر النهضة الكلاسيكي التشكيلي. يقوم الزوج بعد تردد طويل بكشف الغطاء عن وجه العروس الذي يتكشف عن طفلة جميلة لم تخف زينة وجهها براءة طفولتها، وهو وجه على النقيض تماماً من وجه الزوج البشع. لكن الزوج وعلى الرغم من قسوة تعبير وجهه لا يبدو رجلاً قاسياً، وسيحاول طوال جلوسهما في الغرفة تلبية كل ما تطلبه منه في حين أنه يدرك أن كل طلباتها البسيطة وإفصاحها المتكرر عن شعورها بالخوف محاولة منها لتأجيل اللحظة المرتقبة التي سيتم بعدها إطلاق الزوج للرصاص و إشهار قطعة القماش الملوثة بالدم كإعلان عن عذرية العروس وهو ما يفترض أن يتم قبيل شروق الشمس.
طوال تواجد العروسين في الغرفة تحدث بينهما حوارات وأفعال بسيطة و يروي لها الزوج حكاية فلكلورية لكي يخفف من قلقها وتعرض هي عليه مطرزات صنعتها بنفسها. ما يميز كل الأحداث التي تحصل في الغرفة والتي قد تبدو كمباراة غير معلنة بين الاثنين، بما تتضمنها من تحولات في المواقف وردود الفعل، أنها مروية ومبنية وفق منطق مقنع ما يدل على ذكاء وبراعة الذي كتب السيناريو أيضاً ووضوح الفكرة الرئيسية للفيلم لديه وبشكل خاص وضوح الرؤية الفنية.
ينتهي الفيلم بلقطة مصورة من داخل نافذة الغرفة لساحة القرية الخالية من الناس والمغطاة بالثلوج، ونرى امرأتين تقتربان من مقدمة الشاشة ثم تخرجان منها، لكن هذا المشهد الجميل لا يشفي غليل المشاهدين الذين سيظلون في حالة توقع لمعرفة ما حصل داخل الغرفة، وهذا ما لن سيبينه المخرج على الرغم من سماع طلقة رصاص.
تتجلى براعة المخرج ومدير التصوير معاً في نجاحهما في تقديم مادة بصرية شديدة الجمال والتنوع داخل غرفة واحدة مغلقة. لهذا كان من الطبيعي أن يحصل الفيلم على ثمان جوائز من مهرجانات دولية في العام 2012، منح معظمها لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل إنجاز إخراجي.