ألفرد إيكيس هو أستاذ وبروفيسور أمريكي في التاريخ المعاصر في جامعة أوهايو من مواليد عام 1945 وكان عضواً سابق في لجنة التجارة الدولية في عهد الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان.
يتحدث هذا الكتاب عن بنية الاقتصاد العالمي منذ عام 1980 حتى عام 2011 تقريباً. والمهم هنا، هو أنه يتحدث ويعالج تلك الفترة الزمنية ما بين 2008-2010 حيث شهد العالم انهيار النظام المالي في أسوء كارثة اقتصادية عالمية منذ الكساد الكبير المعروف في عشرينيات القرن الماضي.
ينقسم الكتاب إلى 11 فصلاً، عرض فيها إيكيس وضع الاقتصاد العالمي ما قبل عام 1980 والتطورات التي مر فيها منذ أوائل القرن العشرين مروراً بالكساد الكبير وإلغاء معيار الذهب، وعدم قدرة الولايات المتحدة على الإلتزام بتحويل عملتها إلى ذهب.. ومن ثم إلغاء الارتباط ما بين الدولار والذهب، وأزمة النفط في السبعينيات. إنه مزيج جميل حقاً يمكن القارئ من فهم ملخص لمقومات الاقتصاد العالمي حتى عام 1980.
ينتقل الكاتب بعد ذلك في تحليل لمقومات الاقتصاد حسب تصنيف بسيط؛ دول غنية، ودول نامية. ومن ثم يبدأ بالدخول بالمواضيع المهمة؛ الأساس الذي بني عليه الاقتصاد العالمي المعاصر: التجارة العالمية.
من المهم هنا، أن نتفهم كيف بدأ القرن العشرين بوجود حقيقي للعولمة في عالم اقتصادي يسود فيه معيار الذهب وتتسيده المملكة المتحدة. وكيف أن هذا النظام "العولمة" انهار تماماً بسبب الكساد الكبير والحروب العالمية التي سببت إنكفاء كل دولة إلى داخلها ولتموت العولمة قبل أن تعود لنا من جديد بمعيار جديد وهو النقد، وتحت سيادة الولايات المتحدة.
ونستطيع أن نرى بأن التجارة هي المحرك الأساسي لاقتصاد العالم، مهما كانت طبيعة النشاط الذي تمارسه؛ صناعي، زراعي، خدمي.. كل شيء. ولهذا كان من المهم إنشاء منظمة للتجارة العالمية لتنظيم هذه العملية العالمية الضخمة. ومن المهم كذلك، أن نتفهم كيف أنه وبعد انتهاء الحرب الباردة عام 1989 والانتصار الحاسم للرأسمالية، عادت العولمة مرة أخرى إلى الحياة، وبدأ نجم الحركة الكينزية بالأفول، تلك الحركة التي كانت أحد أسباب تعافي الاقتصاد العالمي من الكساد الكبير. حيث أن العولمة تتطلب فتح أسواق جديدة. وعليه تم الاتفاق على حرية تامة للسوق؛ فلا شيء يجب أن يتوقف في وجه التجارة العالمية، وهذا ما شهدناه جميعاً من رفع يد الحكومات عن الاقتصاد والخصخصة. إن السوق وحده هو ما يحرك الاقتصاد. لقد وضعت تشريعات تحمي حرية السوق، بل وتتخذ إجراءات قانونية ضد الدولة التي تحاول حماية السوق الداخلي أو إغلاقه ضد التجارة العالمية. وقد حدث بالفعل أن سجلت العديد من التجاوزات وتم البت فيها بحكم قضائي حازم. لكن المشكلة هنا، هو أن كثيراً من المرات كانت الولايات المتحدة طرفاً في هذا النزاع، وكانت تخسر، وكانت ترفض ببساطة تنفيذ الأحكام القضائية.
استمرت الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي حتى عام 2008 حيث انهار كل شيء. لقد كان الدولار ولا يزال أحد أعمدة الاقتصاد العالمي وذلك بعد أن نجحت الولايات المتحدة بأن تجعل منه شيئاً يخلق من العدم! لقد أصبحت طباعة الدولار لدى الحكومة الأمريكية كعملية تعدين الذهب! وذلك بسبب الطلب العالمي اللامتناهي على الدولار بصفته احتياطي نقدي مهم لدعم اقتصاداتهم الخاصة. وحين انهار النظام المالي، بسبب أزمة الرهن العقاري عام 2008 انكشفت عورة مبدأ حرية السوق. ونستطيع أن نشاهد كيف أن السياسات الإصلاحية أعادت وضع يد الدولة على الاقتصاد بتشريع القوانين المنظمة والتي تحاول إعادة الحياة إلى النظام المالي العالمي. كانت مسألة الرهن العقاري قليل الإئتمان والإفراط في المشتقات المالية والاستثمار في الديون المعدومة نتائجه الكارثية. فهذه الأشياء ليست نقداً بمعنى الكلمة، إنما هي مجرد تسجيل ديون آجلة على امل ارتفاع الأسعار في المستقبل، وما أن توقف عدد لا بأس به من الناس عن دفع ديونهم حتى انخفضت الأسعار وبالتالي، لم يتمكن المدينون من سداد ديونهم ولن يتمكنوا من ذلك أبداً. وهذا يعني أن كل هذه الأشكال المالية، لم تعد ذات قيمة! لقد انفجرت الفقاعة هكذا وبكل بساطة!
عام 2008، كنتُ لا أزال غضاً، أعمل كمستشار أنظمة إدارة أعمال في أحد الشركة الوكيلة لمايكروسوفت.. وأذكر جيداً بأننا حققنا مبيعات قياسية في ذلك العام، ولكن الأمور انحدرت وبشكل سريع بعد ذلك مباشرة، فمن مساوئ العولمة، أن اقتصاد بلادك سيتأثر حتماً بمشاكل الاقتصاد العالمي، رغم أنه لا شأن له بها بشكل مباشر، ولكنه ثمن العولمة والسوق المفتوح.
ما يهم في هذه الأزمة، هو أنه كانت نهاية الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي؛ فظهرت مجموعة العشرين التي تعتبر اليوم مسؤولة عنه، ولربما يمكننا القول في رمزية اجتماع دول "بريك" وهي البرازيل، روسيا، الهند، الصين عام 2009 للاتفاق على بديل عن الدولار شكلاً من أشكال نهاية هذه الهيمنة. صحيح أن الدولار لا يزال يشكل 60% من احتياطي النقد العالمي إلا أنه قد انخفض من 73% وهذا لربما لا يكون سوى البداية فقط.
بالطبع، إن الولايات المتحدة لا تقف ساكنة، وهي تقاوم وبكل قدراتها الممكنة ضد هذه الإجراءات.. ولا ننسى أهمية عدم وجود بديل حقيقي عن الدولار، عدا اليورو ربما، والذهب. وكلنا نعلم أن العالم لن يعود لمعيار الذهب رغم كل ما فيه من إيجابيات. إلا أن هذا الكتاب يمكننا من فهم تاريخ الصراع العالمي على النفوذ، وبالتالي يمكننا فهم الصراعات العسكرية كذلك في العالم المعاصر.
إنه كتاب مهم حقاً لكل من يهتم في هذه الأمور.