هي أول عمل أدبي مهم لهمنغواي وهي السبب في إطلاق شهرته.. وهي تتحدث عن مجموعة من الأمريكيين في الغربة "باريس" وهي هنا تتشابه إلى حد ما مع فكرة تورجينيف في روايته "دخان" لكن همنغواي كان فيها يتحدث متخذاً حياته كمصدر إلهام له.. فكثير من أحداث الرواية هي أمور عاشها همنغواي بنفسه كحرب إيطاليا والممرضة التي تعرف إليها هناك وهي في الرواية "برت" وتلك الرحلة إلى إسبانيا والغيرة التي ولدتها "برت" لدى جميع الرجال من حولها.. لأنها "لعوب" وتكاد أن تقيم علاقة مع كل الرجال من حولها.. وذلك لأنها ورغم أنها امرأة ذات شخصية قوية ومستقلة.. لكن تعاني من نقص حاد من الشعور بالأمان.. لربما كان ذلك من أثر الحرب عليها.. "ربما"..
من المعروف عن همنغواي ولعه بمصارعة الثيران ونرى ذلك جلياً في هذه الرواية في تلك الرحلة لمشاهدة عروض مصارعة الثيران في إسبانيا.. مما يجعل هذه الرواية ما هو أشبه بتفريغ لما كان له أثر عميق في حياة همنغواي.. والتي أنهاها هو بنفسه فيما بعد.
يمتاز همنغواي بالبساطة.. وهذا لا يعد عيباً.. بل قد يرتقي إلى الميزة لدى البعض.. ويركز كثيراً على الحوار.. وحاول في هذه الرواية بالذات أن يجعل كل شخصية تعكس عواطفها بنفسها دون تصريح واضح.. أي من خلال حركاتها وإيماءاتها.. و"خائنة الأعين" إن صح التعبير.. وهذا أمر ليس سهلاً على الإطلاق.. فالراوي هنا لم يكن كلي القدرة.. بل كان "جايك" وهو صديق لبطل الرواية "كوهن".. والذي يصر همنغواي على أنه بطل الرواية رغم أن دور جايك كان محورياً أكثر..
ومن المثير للاهتمام.. شخصية "كوهن" اليهودي في الرواية والتي كانت محط سخرية جميع الشخوص في الرواية حتى أن همنغواي تعرض للإتهام أنه معادٍ للسامية.. لكنه برر ذلك بأن السخرية كانت من شخصية "كوهن" وليس لأنه يهودي.. وأعتقد أنه كان صادقاً في ذلك.
الرواية ممتلئة بـ"الثرثرة" وأمور سطحية إلى حد بعيد جداً.. هناك فرق كبير جداً في العمق بينها وبين "دخان" لكن همنغواي قصد ذلك لأنه أراد أن يقدم أسلوباً ساخراً من الحب.. والغيرة والعاطفة بشكل عام.. فقدم الحكاية بشكل ينم على التهكم أكثر من أي شيء آخر.. لكن لن أنكر أنك ستشعر بالملل إن لم يكن بـ "البلاهة" مع كل ذلك الإسهاب في المطاعم والمقاهي والكثير الكثير من الشراب لدرجة أنك قد تثمل بمجرد القراءة!
باختصار قدم همنغواي أسلوباً مختلفاً بلا شك.. ورغم أنه لاقى ضجة عند النقاد بين ذم واستحسان.. لكن إن طبقنا بعض ما يأخذ به النقاد من عكس "النمط" المذكور في الرواية على واقع المغتربين الأمريكيين في أوروبا كما فعل بعض النقاد مع "ذاكرة الجسد" و"عمارة يعقوبيان" و"أحببتك أكثر مما ينبغي" لقلنا وبكل أريحية أنهم مجموعة لا يهمها سوى الشراب والمتعة و"الكلام الفارغ" إن جاز لنا قول ذلك.. لكننا لن نفعل على أي حال.. "مجرد فكرة"..
بقي أن نقول.. أنها بلا شك من أهم الأعمال الأدبية العالمية.