يجمع فيلم "فندق بودابست الكبير" (2014) بين أفلام الكوميديا السوداء والأفلام الجادة، وهو من إخراج المخرج ويس أندرسون الذي كتب سيناريو الفيلم استناداً إلى قصة قام بتأليفها بالاشتراك مع الكاتب هيوجو جينيس، وهي مستوحاة من مؤلفات الكاتب النمساوي ستيفان زويج.
تقع أحداث قصة فيلم "فندق بودابست الكبير" في جمهورية زوبروكا، وهي دولة أوروبية خيالية، في فترة ما بين الحربين العالميتين. وتقدم هذه الأحداث في ثلاث مراحل زمنية باستخدام أسلوب العرض الارتجاعي. ففي العام 1985 نتعرف على شخصية "المؤلف" (الممثل توم ويلكينسون)، وهو يبدأ التحدث عن قصة كتابه "فندق بودابست الكبير"، قبل أن تنتقل القصة إلى العام 1968، حين ينتقل المؤلف (في سن أصغر يقوم بدوره الممثل جود لو) إلى جمهورية زوبروكا التي دمرتها الحرب ويصل إلى "فندق بودابست الكبير" الذي تهالك وهيمن عليه الإهمال وانخفض عدد نزلائه. ويلتقي "المؤلف" الرجل المسن زيرو مصطفي (الممثل ف. (فريد) مرعي إبراهام، المتحدر من أصل سوري والحائز على جائزة الأوسكار) الذي يملك الفندق في هذه المرحلة. ويروي زيرو قصته للمؤلف والتي تبدأ في العام 1932 حين كان الفندق في قمة أبهته وفخامته، وحين كان زيرو مراهقاً (في سن صغير يقوم بدوره الممثل طوني ريفولون) يعمل في بهو الفندق تحت إشراف مسؤول خدمة الغرف غوستاف (الممثل رالف فاينز) الذي يأخذ زيرو تحت جناحيه ويصبح أعز أصدقائه. وتربط غوستاف علاقات بعدد من النساء المسنات، ومنهن مدام دي (الممثلة تيلدا سوينتون) التي تبادله مشاعر الحب وتسرّ له بأن هناك من يتآمر عليها. وبعد مضي شهر يعلم غوستاف أن مدام دي توفيت في ظروف غامضة ويستقل القطار بصحبة زيرو إلى بلدتها لتقديم واجب العزاء. ويفاجأ غوستاف حين تقرأ وصيتها بأنها تركت له لوحتها الفنية الأثرية النادرة والثمينة "الولد مع التفاحة"، ما يثير غضب أفراد أسرتها الذين يأمل جميعهم أن يرثوا تلك اللوحة الثمينة. ويعود غوستاف بمساعدة زيرو ومعهما اللوحة الفنية إلى "فندق بودابست الكبير". إلا أن ابن المتوفاة ديمتري (الممثل أدريان برودي الحائز على جائزة الأوسكار) يتهم غوستاف بقتل والدته، ويسجن غوستاف بتهمة ملفقة بقتل مدام دي، ولكنه يفر من السجن مع عدد من السجناء بمساعدة صديقه زيرو. وبعد سلسلة من المطاردات وحوادث القتل يساعده زيرو على إثبات براءته بعد اكتشاف نسخة من وصية مدام دي مثبتة بظهر اللوحة الفنية أوصت فيها بملكية اللوحة لغوستاف، بالإضافة إلى ملكية "فندق بودابست الكبير"، الذي يفاجأ الجميع بأنها كانت تملكه. وتكتشف تلك الوصية الشابة أجاثا التي تربط علاقة حب بينها وبين زيرو. ويروي زيرو للمؤلف كيف قتل غوستاف خلال الحرب على أيدي جنود العدو وهو يدافع عن زيرو الذي ورث ثروة غوستاف، بما في ذلك "فندق بودابست الكبير" الذي أصرّ زيرو على عدم تغيير شيء فيه احتراما وتقديرا لذكرى صديقه الوفي الراحل غوستاف.
يطرح فيلم "فندق بودابست الكبير" العديد من القضايا كأهمية الصداقة والوفاء والحب، كما يعالج قضايا مثل الجريمة والانتقام والجشع والعنف. وتدور كل هذه القضايا في إطار الكوميديا السوداء النابعة من سلسلة من المفارقات المتواصلة في أحداث قصة الفيلم. ويجمع الفيلم بين العديد من المقومات الفنية والتقنية التي أصبحت من العلامات المميزة لأفلام المخرج والكاتب السينمائي ويس أندرسون الذي ينطبق عليه لقب "المخرج المؤلف" الذي يتميز بأسلوبه الشخصي في الإخراج وتحكمه بأدواته ويعرض أحداث الفيلم في قصة داخل قصة داخل قصة ليشكّل رحلة مثيرة تجمع بين سلاسة العرض السردي وبراعة المشاهد المفعمة بالحيوية. وفيلم "فندق بودابست الكبير" عمل فني متكامل يتميز ببراعة التصوير وحركات الكاميرا وتصميم الإنتاج وتفاصيل الديكورات وبراعة الموسيقى التصويرية للموسيقار الفرنسي أليكساندر ديسبلات وسرعة الإيقاع والحوار. كما يتميز الفيلم بتطوير شخصيات القصة والتركيز على الرابطة بين شخصيتي الفيلم الرئيستين غوستاف وزيرو وعامل الوئام في أدائهما، وبقوة أداء الممثلين الذين يشتملون على أكثر من عشرة من الممثلين الأميركيين والأوروبيين البارزين والمخضرمين. وقد اتفق كثيرون من النقاد على أن فيلم "فندق بودابست الكبير" هو أعظم فيلم يقدمه المخرج ويس أندرسون حتى الآن.
عرض فيلم "فندق بودابست الكبير" في خمسة مهرجانات سينمائية، وكان فيلم الافتتاح في مهرجان برلين السينمائي الدولي هذا العام. وفاز في هذا المهرجان بجائزة لجنة التحكيم كما رشح لجائزة الدب الذهبي لأفضل فيلم. وبلغ مجموع الجوائز السينمائية التي حصل عليها الفيلم 53 جائزة، شملت اثنتين من جوائز الكرات الذهبية لأفضل فيلم كوميدي أو موسيقي وأفضل مخرج، ورشح الفيلم لتسع من جوائز الأوسكار. وبلغت الإيرادات العالمية الإجمالية لهذا الفيلم 175 مليون دولار، فيما بلغت تكاليف إنتاجه 31 مليون دولار