في رواية "الحديقة المنسية" ننتقل عبر الأزمنة والحقب الزمنية، مما يمنح القصة أبعادًا متعددة. في البداية، قد يتبادر إلى ذهن القارئ سؤال: هل تستحق الرواية أن أكملها؟ لكن مع الغوص في الأحداث، يصبح من الصعب التوقف، حيث تشدك القصة بأسلوبها المتشابك والمثير. إحدى اللحظات المؤثرة في الرواية كانت عندما بلغت نيل الحادية والعشرين، وهمس والدها في أذنها باعتراف صادم سلبها ذاتها. وقع هذه الكلمات كان شديدًا عليّ كقارئ؛ فقد شعرت بصدمتها وكأنها حقيقية، وتوقفت للحظات لأتساءل: كيف يمكن لشخص أن يتلقى مثل هذا الخبر، خاصة بعد هذا العمر؟ والدها عاش أصعب شعور يمكن أن يمر به إنسان، وهو الشعور بالذنب، وظل يرافقه هذا الشعور حتى لحظة وفاته.
تتميز الرواية بالتنقل بين الأزمنة، فتارة نتعرف على كاساندرا في الزمن الحاضر، وتارة نعود مع نيل لاستكشاف ماضيها وما مرت به من تجارب. هذا التنقل يتطلب تركيزًا، لكنه من النوع الممتع الذي يجعل القراءة رحلة ذهنية مميزة. أحداث الرواية تدور في أستراليا، وخلال القراءة ذُكرت تاسمانيا، مما أثار لدي ذكريات طفولتي مع كرتون "تاز المشاكس" الذي كانت تدور أحداثه أحيانًا في تاسمانيا. مثل هذه التفاصيل الصغيرة تضيف لمسة من الجمال والحنين إلى الرواية، حتى وإن لم تكن مقصودة.
اقتباس أعجبني: "إن أسعد الناس من ينشغل بالهم، فعقولهم ليس فيها مكان للحزن والأسى." – من كتاب عينا العجوز بقلم إليزا ماكبيس.
واحدة من الأشياء التي أحببتها في الرواية هي التفاصيل الدقيقة التي دفعتني للبحث عنها. على سبيل المثال، عند ذكر طراز العمارة في الحقبة الإدواردية أو الفيكتورية، شعرت بالحماس لرؤية صور لهذه الطرز وربطها بخيالي. كذلك عند الإشارة إلى المدن والشوارع، كان لدي الفضول لاستكشافها ومعرفة المزيد عنها.
الانتقال بين الأزمنة في الرواية كان مميزًا جدًا. فعند ذكر فترة زمنية محددة، يأخذك الخيال مباشرة إلى تلك الحقبة بأجوائها وتفاصيلها. ثم، عند العودة إلى فترة أقرب، تجد نفسك تنقل بسلاسة إلى الحاضر. هذا الانتقال الزمني أضاف الكثير من التميز للرواية، وجعلها تجربة فريدة تستحق القراءة. ولكن، ما يميز "الحديقة المنسية" أيضًا هو الشخصيات العميقة والمتطورة، خاصة نيل التي نجدها في رحلة بحث عن هويتها وتاريخها العائلي. طوال الرواية، تتساءل نيل عن معنى عائلتها والسر المظلم الذي يحيط بماضيها، وهو ما يدفع القارئ للاندماج في القصة بشكل أكبر. بينما نعيش معها لحظات الصدمة، والغضب، والحزن، نجد أن الرواية لا تقتصر على الخوض في الأسرار العائلية فحسب، بل تقدم أيضًا نظرة على كيفية تأثير هذه الأسرار على حاضر الشخصيات.
إن طريقة سرد الرواية عبر الشخصيات والأماكن والأزمنة المختلفة تجعلها رحلة استكشاف رائعة للقراء، حيث تربط الأحداث بذكريات الماضي وتفاصيل الحاضر بشكل متناغم، مما يخلق تجربة قراءة لا تُنسى.
في الختام، "الحديقة المنسية" ليست مجرد رواية عن ماضي عائلي غامض، بل هي أيضًا عن اكتشاف الذات، ومواجهة الحقائق المؤلمة، وعن معنى العائلة والتاريخ. إنها دعوة للتأمل في كيفية تأثير ماضينا على حاضرنا وكيف يمكن أن تشكل الأسرار العميقة حياتنا. رغم تنقلاتها الزمنية المعقدة، فإن الرواية تقدم كل لحظة بشكل مشوق، مما يجعلها تجربة قراءة غنية تستحق التقدير.