رواية "الفقراء" هي أولى روايات الكاتب دوستويفسكي، وقد كُتبت على مدار تسعة أشهر بين عامي 1844 و1845. تتكون من 220 صفحة. تدور أحداث الرواية حول شخصيتين رئيسيتين، هما البطلة فارفارا أليكسييفنا وماكار دييفوشكين، اللذان يتبادلان الرسائل كوسيلة للتعبير عن همومهما وآلامهما الناتجة عن الضغوط الاجتماعية القاسية التي يواجهانها. يجد كل منهما في هذا التبادل نوعًا من السلوى والطمأنينة.
ماكار دييفوشكين هو رجل مسن يعمل كناسخ في إحدى الوظائف الحكومية، يتميز بطبيعته الطيبة والبسيطة والبائسة، ويمتلك قلبًا متسامحًا. يرى في فارفارا صديقة وابنة، ويسعى دائمًا بصدق لمساعدتها. يضحي ماكار بكل ما يملك من مال من أجل إسعاد هذه الفتاة، رغم أن ما لديه لا يكفي حتى لتلبية احتياجات الحياة الأساسية. قد يكون دافعه وراء تضحيته هو الوحدة التي يشعر بها، وقد وجد في فارفارا رفيقًا له. فيقول: "كنت مجرد كائن وحيد يا ملاكي الصغير، يعيش عزلته بشكل وحيد، وكأنه في سبات أبدي. كنتُ حقًا لا أعيش بالمرة. كان أعدائي يزعمون بأن مظهري الخارجي غير لائق، فظلوا يهينونني، إلى أن انتهيت أنا نفسي إلى ازدراء ذاتي. كانوا يدّعون بأني غبي، فخلصت إلى تصديق ذلك. لكن، ما أن ظهرت أنتِ في حياتي، حتى غمرت هذه الحياة القاتمة بضوء وهّاج. لقد أضيء قلبي وروحي معًا وعثرَت نفسي في الأخير على طمأنينتها الداخلية، فصرتُ أدرك بأني لستُ أقلّ من الآخرين قدرًا" (ص157). يعيش ماكار، الإنسان الفقير، صراعًا داخليًا نتيجة الإهانات التي يتعرض لها، ويحاول تعزيز قيمته الذاتية من خلال التحلي بالأخلاق الحميدة. غالبًا ما يسعى الفقراء إلى التمسك بالأخلاق ليشعروا بالثقة في أنفسهم، إذ أن هذا هو الشيء الوحيد الذي يمتلكونه.
تقبل ماكار حياته، ووجد في فارفارا ما يضيف البهجة والسعادة إلى أيامه، مما يمنح لحياته معنى، على الرغم من أن القدر جلب له العديد من المتاعب التي زادت من ظلمه. لم يستطع الهروب من همسات الجيران حول علاقته بتلك الفتاة أو من الديون التي وقع فيها. بدأ يتساءل عن سبب خلق الله لبعض الناس أغنياء وآخرين فقراء، وهذه الأسئلة تعكس نوعًا من التمرد على الواقع الذي يعيشه. فيقول: "كيف يلاقي الإنسان الطيّب والكريم والخدوم الشقاء، بينما يكون حظ إنسان آخر غيره، السعادة التي تأتيه فاتحة ذراعيها نحوه؟ أعلم، بأن من السيئ أن يفكر المرء بمثل هذا التفكير" (ص167). عندما تتاح له الفرصة لتحسين ظروف حياته، يشعر بالندم على تلك الأسئلة التي يعتبرها كفرًا بالنعمة، ويصف نفسه بأنه آثم. فيقول: "مهما كنت ذلك الآثم الكبير في أعين الربّ" (ص186). إن أولئك البسطاء يمكنهم نسيان معاناتهم أمام أي أمل يلوح في الأفق.
لم يقتصر على التضحية بماله فحسب، بل سعى أيضًا لتلبية احتياجاتها العاطفية. كان يتجول دائمًا وينقل لها قصص الفقراء، مُحللاً تصرفاتهم ليُدخل السعادة إلى قلبها. وبفضل معرفته بحبها للروايات، كان يعمل على تحسين كتاباته لتناسب ذوقها. كان يحاول أن يكون أبًا بديلًا لتلك اليتيمة التي فقدت عائلتها بالكامل.
فارافارا هي فتاة تعيش في الغرفة المقابلة لغرفة أكادر، وقد فقدت عائلتها تدريجياً، مما جعلها تعاني من الألم والمعاناة. نتيجة لذلك، أصبحت فتاة مستسلمة، تحلم كثيراً وتغمر نفسها في أحلام اليقظة. كثيراً ما تسترجع ذكريات الماضي السعيد من حياتها السابقة لتضفي بعض البهجة على حياتها الحالية. تحكي القصص التي عاشتها لذلك الرجل الذي كانت تكن له احتراماً كبيراً، وقد أدركت الصعوبات التي واجهها بسببها، وتشعر بأنها أصبحت عبئاً على الجميع. لذلك، تلجأ إلى الخيار الأكثر شيوعاً وهو الزواج من رجل يوفر لها الحد الأدنى من مقومات الحياة، حتى وإن لم تكن لديها أي مشاعر تجاهه.