عندما يصبح الخوف رفيقًا دائمًا للمجتمع، وتتحول الجرائم البشعة إلى جزء من الحياة اليومية، يأتي مسلسل Mouse (الفأر) ليقدم رؤية عميقة ومعقدة حول الطبيعة البشرية، وصراع الخير والشر. يطرح العمل سؤالًا فلسفيًا جريئًا: "ماذا لو استطعنا اكتشاف السيكوباتيين قبل ولادتهم؟" هذا التساؤل يقود المشاهد في رحلة نفسية مشوّقة، تكشف عن خفايا النفس البشرية وتعقيداتها.
يبدأ المسلسل بمشهد دافئ لعائلة تنتظر مولودها الأول، لكن سرعان ما تنقلب هذه السكينة إلى كابوس عندما تكتشف الزوجة أن شريك حياتها قاتل متسلسل يفتقر إلى أي مشاعر رحمة أو شفقة، بل يُتقن التلاعب بالآخرين لمصلحته الشخصية. تنتقل القصة بعد ذلك إلى جونغ با روم، الشرطي المبتدئ المعروف ببراءته ونزاهته، والذي يجد نفسه في مواجهة قاتل متسلسل ذكي لا يؤمن بأي قيم دينية أو أخلاقية، ويعتمد على أساليب وحشية ومدروسة في تنفيذ جرائمه. إلى جانبه، يقف المحقق جو مو تشي، الذي يحمل في داخله جروحًا من الماضي تجعله أكثر إصرارًا على تحقيق العدالة.
تكمن روعة العمل في تحوله الجذري غير المتوقع؛ فبينما يتم توجيه أصابع الاتهام إلى الطبيب يوهان، ويبدو للجميع أنه القاتل الحقيقي، تنتهي المرحلة الأولى من القصة بمقتله على يد الشرطة، ظنًا منهم أنهم أنهوا سلسلة الجرائم. لكن المفاجأة الكبرى تأتي عندما يُكشف أن القاتل الحقيقي ليس سوى الضابط جونغ با روم نفسه، الذي كان دائمًا يسبق الشرطة بخطوة، مستخدمًا معرفته بأساليبهم لتضليلهم وإبعاد الشبهات عن نفسه.
لا يكتفي "Mouse" بسرد قصة جريمة تقليدية، بل يثير أسئلة عميقة ومثيرة للجدل، من أبرزها:
هل يمكن اكتشاف الجنين الذي قد يصبح قاتلًا متسلسلًا في المستقبل؟
هل يحق للمجتمع إجهاض هذا الطفل قبل ولادته إذا ثبتت خطورته؟
هل يمكن أن تنتقل الجينات السيكوباتية من الآباء إلى الأبناء؟
إذا تم زرع دماغ في جسد شخص آخر، فهل سينتصر عقل المتبرِّع أم عقل المستقبل؟
بهذه الأسئلة غير التقليدية، يضعنا المسلسل أمام تحدٍّ فكري نادرًا ما تتطرق إليه الدراما الكورية، مما يجعل "Mouse" عملًا استثنائيًا في الطرح والمعالجة الدرامية.
أحد أقوى عناصر المسلسل هو الأداء الاستثنائي للممثل لي سونغ جي في دور جونغ با روم. تمكن ببراعة من تجسيد التحولات النفسية بين البراءة المطلقة والشر المطلق، مما جعل شخصيته معقدة ومثيرة للاهتمام. ليس من السهل التنقل بين هذه التناقضات، لكنه نجح في ذلك ببراعة جعلت أداءه أحد أبرز نقاط القوة في العمل. أما لي هي جون، فقد قدّم أداءً قويًا في دور المحقق جو مو تشي، إذ جسّد الشخصية الصارمة التي تحمل جروح الماضي العميقة. رغم صلابته، إلا أن ضعفه العاطفي منعه من اكتشاف الحقيقة، ليجد نفسه في النهاية خائنًا لثقته بأقرب شخص إليه. ينتهي المسلسل بسؤال فلسفي عميق: "هل يولد الإنسان وحشًا، أم أن الجينات والبيئة والمجتمع يشكلونه؟" كما يتركنا مع تساؤل آخر: "هل يمكن للضحايا مسامحة القاتل والمضي في حياتهم؟"
في المشهد الأخير، يزور المحقق جو مو تشي قبر جونغ با روم، في لحظة تُجسد الطابع الواقعي للنهاية. لا وجود لعدالة مطلقة، ولا انتصار كامل للخير على الشر. كل ما بقي هو الأسئلة، والندم، والواقع القاسي الذي لا يمنح إجابات سهلة.
"Mouse" ليس مجرد مسلسل جريمة تقليدي، بل هو عمل درامي متكامل يجمع بين الإخراج المتقن، التمثيل الرائع، الحبكة المعقدة، والموسيقى التصويرية المؤثرة. إنه دعوة للتأمل في طبيعة الإنسان وصراعاته الداخلية، وكيف يمكن للظروف والتجارب أن تصنع منا أبطالًا أو وحوشًا.
إذا كنت تبحث عن دراما تأخذك في رحلة نفسية عميقة، وتجعلك تعيد التفكير في مفاهيم الخير والشر، فإن "Mouse" هو الخيار المثالي.