شكّلت الروايات الأولى التي كتبتها النساء في العالم العربي خطوة جريئة في تاريخ الأدب، إذ لم تكن الروايات مجرد نصوص سردية، بل محاولات لكسر القيود المفروضة على صوت المرأة. جاءت هذه الروايات في فترة اجتماعية وثقافية صعبة، فجسّدت معاناة الكاتبات، وأسئلتهن عن الهوية والحرية والمكان.
في كل البلاد العربية تقريبًا، نجد أن الرواية النسائية الأولى كانت انعكاسًا للواقع، ووسيلة للمقاومة ونافذ للتعبير، رغم محدودية التقبل في البداية ومحاولات الرفض المستتر. ورغم ذلك، فقد فتحت هذه الأعمال الطريق أمام أجيال لاحقة من الكاتبات، وساهمت في ترسيخ حضور المرأة في المشهد الأدبي.
إليكم بعض المقالات النقدية التي تتناول "الروايات النسائية الأولى" في الوطن العربي وهو موضوع غني،
إن المقصد هو تقديم رؤية نقدية ثرية للقارئ المهتم.
"سلوى"
"جوليا عودة الله مرار صوالحة"
صوت نسوي مبكر في الأدب الأردني
تُعد رواية "سلوى"، الصادرة عام 1976، علامة فارقة في الأدب الأردني، كونها أول رواية تكتبها امرأة أردنية. هذه الريادة تمنحها أهمية خاصة، ليس فقط لأنها تفتح الباب أمام حضور نسائي في السرد الروائي، بل لأنها تقدم صوتًا نسويًا مبكرًا في مجتمع تقليدي محافظ.
الرواية تحكي قصة "سلوى"، الفتاة الأردنية التي تصطدم بأعراف اجتماعية تقيّد حريتها، وتفرض عليها اختيارات لا تتفق مع رغباتها، خصوصًا فيما يتعلق بالزواج والتعليم ودورها في الحياة. تسير الرواية ضمن بناء سردي تقليدي خطي، حيث تتصاعد الأحداث تدريجيًا من الخضوع إلى التمرد، دون تعقيد تقني أو زمني. وهو أمر ينسجم مع طبيعة الرواية التي تسعى إلى التبليغ أكثر من التجريب. كما أن الحوار بين الشخصيات في الرواية يكشف عن تعقيد العلاقات الأسرية والمجتمعية التي تُقيد المرأة، مثلما تقول سلوى في أحد الحوارات:
"لا شيء في هذا العالم أكثر إيلامًا من أن يُفرض عليك اختيار ليس لك فيه نصيب."
هذه العبارة تُظهر الصراع الداخلي الذي تعيشه سلوى بين رغباتها الشخصية وضغوط المجتمع.
من الناحية اللغوية، تعتمد الكاتبة أسلوبًا مباشرًا بسيطًا، يتجنب التزويق البلاغي، ويجنح نحو الوضوح، مما يجعل الرواية قريبة من القارئ العام. يغلب على الأسلوب الطابع الواقعي، ويُستخدم الحوار بكثافة لتصوير التوتر بين البطلة والمجتمع. هذه البساطة اللغوية تعبّر عن هدف الكاتبة في نقل رسالة اجتماعية واضحة دون وسيط لغوي معقد. تسلط الرواية الضوء على حياة سلوى داخل المنزل، الذي يُعد رمزًا للقيود الاجتماعية:
"المنزل كان مثل قفص، فكل جدرانه تقيدني، وكل نافذة تظهر لي الحياة خارج هذا المكان كأسراب طيور حرة."
هذه الصورة تعزز المعنى الرمزي للمنزل كـ "سجن" يحد من حرية سلوى ويحجم طموحاتها.
الرواية تتميّز أيضًا برموز بسيطة لكنها فعالة، مثل "المنزل" الذي يمثل القيد الاجتماعي، و"الطريق "كرمز للحرية واكتشاف الذات، في حين يحمل اسم البطلة "سلوى" دلالة مزدوجة تعكس التناقض بين البحث عن الراحة ومواجهة الألم. مع تصاعد الأحداث، تناضل سلوى من أجل الخروج من هذا القيد، وتبحث عن الأفق الجديد، مما يعكس تساؤلاتها العميقة عن وجودها في هذا المجتمع. تقول سلوى في أحد مشاهد الرواية:
"كنتُ أتساءل دائمًا: هل هذا هو مصيري؟ هل أُولد لأكون مجرد ظل لرغبات الآخرين؟"
يُظهر هذا الاقتباس الأزمة النفسية التي تعيشها سلوى ورفضها التام لواقع مُفروض عليها.
عند مقارنة سلوى بروايات نسوية عربية أخرى، مثل امرأة عند نقطة الصفر لنوال السعداوي، أو الصمت لليلى العثمان، يظهر الفرق في العمق النفسي والأسلوب الفني. فبينما تميل تلك الروايات إلى الغوص في البُعد الداخلي للمرأة المقهورة، وتستخدم تقنيات حديثة كالاستبطان النفسي وتيار الوعي، تظل سلوى أقرب إلى العمل الواقعي المباشر الذي يوثق معاناة المرأة دون تعقيد فني أو رمزية مكثفة.
إن القيمة الكبرى لرواية سلوى تكمن في جرأتها على طرح قضايا كانت تعد من المحرمات في وقتها، مثل الزواج القسري والتسلط الأسري وحرمان المرأة من التعليم. وعلى الرغم من أن الرواية قد لا تُعدّ ناضجة فنيًا أو متميزة من حيث التجريب السردي، إلا أنها تمثل مرحلة تأسيسية في تطور الرواية النسوية الأردنية، وتُعد وثيقة اجتماعية أدبية تعكس وعياً كاتبة سبقت زمنها في التعبير عن قضايا المرأة.
في آخر الأمر، يمكن القول إن رواية سلوى تمثل بذرة أولى في تربة الأدب النسوي الأردني، وقد فتحت الطريق أمام أجيال لاحقة من الكاتبات لتقديم تجارب أكثر نضجًا وتنوعًا فنيًا. لقد رفعت جوليا صوالحة صوتها وسط صمت اجتماعي طويل، ومنحت المرأة الأردنية حقّها في أن تروي قصتها بقلمها.