فيلم " الهافر" الذي تعرضه لجنة السينما في مؤسسة عبد الحميد شومان مترجما للعربية، كان من أجمل واقرب الأفلام إلى قلوب المشاهدين في دورة مهرجان كان السينمائي الـ64، وهو من إخراج الفنلندي الشهير أكي كيرويسماكي. هذا المخرج الذي يواصل تقديم الأفلام المثيرة للإعجاب، كونه يجمع بين طابع سينما المؤلف، أي السينمائي الذي يملك رؤية خاصة للعالم، وبين طابع الفيلم الشعبي، الذي يتميز ببساطته، بوضوح رؤيته، بحميميته، وبموضوعه الإنساني القريب من القلوب.
هنا في هذا الفيلم الجديد، يخرج كيرويسماكي عن حدود مدينته هلسنكي، و يقدم عملا من الإنتاج المشترك مع فرنسا، يصوره في الميناء الفرنسي الشهير الذي يحمل الفيلم اسمه، ولكن دون أن يتنازل، أو يتقاعس عن تقديم رؤيته الخاصة، مجسدا من خلالها عالمه الخاص الأثير إلى نفسه، عالم الشخصيات الهامشية الوحيدة التي تشعر بغربتها في العالم، وحاجتها إلى التعاضد الإنساني، قدرتها رغم ذلك على السخرية، وعلى التحلي بروح متفائلة.
هذا العالم الخاص هنا يتمحور بين الواقع والخيال، ما يحدث فعلا وما يمكن أن يحدث، وما نتمنى أن يحدث، تعقيدات الواقع التي تتبدل تدريجيا مع اكتشاف أن البشر في معظمهم أنقياء وأوفياء وعلى استعداد لتقديم ما ينتظر منهم وقت الضرورة، كبشر يتضامنون معا بغض النظر عن حواجز الدين والجنس والهوية القومية، وقسوة الواقع الذي يمكن أن يفقد فيه الإنسان حياته لأي سبب، أو يصبح ضحية للحواجز المفروضة بقسوة، والسجون الكبيرة التي تقام لكي تحد من حرية البشر في الانتقال والعمل رغم كل ما يقال عكس ذلك.
بطل الفيلم "ماكس"، رجل في خريف العمر، مهاجر فنلندي متجنس بالجنسية الفرنسية يعيش مع زوجته المعتلة صحيا "أرليتي"، فهي مصابة بمرض خطير، لكنها تخفي الأمر على زوجها وتتشبث بمعجزة الشفاء التي قد تأتي في نهاية الأمر..
ماكس فنان كان ذات يوم مرموقا ثم تدهور به الحال واضطر إلى العمل كماسح للأحذية على أرصفة ميناء الهافر وأمام مقاهيه. يسوق القدر إليه ذات يوم إدريسا وهو طفل أفريقي من المهاجرين غير الشرعيين الذين تقبض عليهم السلطات وتضعهم في معسكر كبير للمهاجرين تمهيدا لترحيلهم.
يتمكن الطفل "إدريسا" من الهرب من الشرطة، ويلجأ الى منزل ماكس فيأويه ويرعاه ويخفيه عن عيون الشرطة، في غياب زوجته المريضة في المستشفى، وبمعاونة كلبته الأليفة الذكية "لايكا"، وهي في الحقيقة الكلبة التي يصفها بعض النقاد بـ"الكلبة الأكثر شهرة في السينما الأوروبية"، فهي تظهر في معظم أفلام كيرويسماكي وترتبط به. لكن ضابط الشرطة المخضرم المفتش مونيه يشك في وجود الصبي في منزل ماكس، ويحاول استدراجه للاعتراف. ولكن هذا الضابط القاسي الملامح، الجامد من الخارج سنكتشف قرب النهاية أنه يخفي قلبا شديد الطيبة لا يقل في طيبته عن جيران ماكس جميعا وأصدقائه الذين يساعدونه بتوفير احتياجاته من المواد. يبدأ الجميع في جمع التبرعات من أجل دفع تكاليف تهريب الصبي "إدريسا" على متن سفينة تعبر إلى الساحل البريطاني لكي يلتحق الصبي بأمه التي سبقته في التسلل إلى بلاد الإنجليز وتقيم في لندن.
وفي اللحظة التي توشك الخطة التي يشترك فيها الجميع على النجاح، يظهر المفتش مونيه...