يعتبر هذا الفيلم واحدا من أجمل أفلام هذا المخرج المكدوني الاصل والمقيم حاليا في الولايات المتحدة، ولقد اعتبرته النيويورك تايمز واحدا من اهم مائة فيلم في تاريخ السينما كما اهتمت به اليونيسكو بالاضافة الى ان كثيرامن معاهد السينما ادرجته ضمن المناقشات النظرية والتطبيقات العملية لطلبتها. والفيلم يعرض مترجما للعربية.
يناقش الفيلم سينمائيا الاثار التي خلفها العدوان والتخريب على بلد المخرج - يوغوسلافيا – وكيف أدى هذا العدوان لتغير في معتقدات ونفسيات أهله.
يتجنب المخرج في فيلمه المباشرة ولكنه ومن خلال رصده لحال الانسان الذي يتعرض للقهر والقمع يدين واقعا جديدا ويترك بذكاء للمشاهد التفكير فيمن وراء هذا.
لقد زاوج المخرج في في فيلمه الذي يتالف من ثلاث حكايات تحمل كل منها عنوانا بين عمل يشد المشاهد العادي من جانب وكذلك الاكاديمي الدارس لفن السينما ونقاد الفيلم من جانب اخر.
الحكاية الاولى او الجزء الاول من الفيلم معنون بكلمة "كلمات"، الجزء الثاني "وجوه"، والثالث "صور". ولكل من هذه العناوين دلالته التي ندركها في سياق عرض الفيلم.
في بداية الفيلم وعلى حائط بعرض الشاشة تقريبا نقرا العبارة التالية ( في السماء السوداء تطير طيور ناعقة....البشر صامتون ... وانا اتالم من الانتظار ) هذه العبارة المترجمة بتصرف هي للكاتب اليوغسلافي ميشا او محمد سليموفتش الذي كتب وحذر مما سيحصل لبلده.
وبعد ظهور أسماء فريق الفيلم وفي لقطة قريبة نشاهد يدين تقطفان البندورة وعندما تبتعد العدسة نتعرف على كاهن شاب في مزرعة دير على قمة جبل ثم ياتي كاهن اخر كبير في السن ويتحدث للكاهن الشاب الذي لا يجيب ومن خلال حديث الكهل نعرف ان الكاهن الفتي نذر ان يمتنع عن الكلام لمدة سنتين. يقول الكهل ان جمال الطبيعة حولنا يدفع الانسان للكلام وانت صامت
مصور الفيلم، وبالتعاون مع المخرج، وظف كاميراته من حيث الاضاءة وزوايا التصوير واللقطة، قريبة او متوسطة او بعيدة، بشكل يتلائم تماما مع مضمون هذا الجزء من الفيلم المشحون بالإنسانية والحب.
عندما يذهب الكهنة مساء للنوم في غرفهم يفاجا الكاهن الشاب كيريل بوجود فتاة جميلة في مقتبل العمر في غرفته تطلب منه ان يحميها، فهي هاربة ممن يريد قتلها ونعرف من سياق الفيلم انها البانية مسلمة تستجير بهذا الكاهن الارثوذكسي من سكان القرية الذين يسعون لقتلها لانها قتلت قريباً لهم. يخفيها الكاهن في غرفته ويقدم لها الاكل فلا يعثر عليها مطاردوها. وعندما يتاكد رئيس الدير من وجودها في غرفة - كيريل - يطلب اليه ان يخلع ثياب الكهنوت ويغادر الدير معها. وخلال طريقهما هربا من المطاردين تربطهما علاقة عاطفية رقيقة ولكن الأمور تجري بعكس ذلك. ويطال القمع والقهر شخصين يتمتعان بحس انساني عميق في هذا الجزء من الفيلم نشاهد بعضا من اثار نكبة هذا البلد الذي كان موحدا وكيف تشرذم الى دويلات متخاصمة لاسباب غير منطقية. لا يطرح المخرج هنا اسباب ما حصل وانما يترك المشاهد لنهاية الفيلم ليشير الى ذلك.
هذا الفيلم كما هي حياة الانسان، دائرة تبدأ من نقطة لتعود اليها، ولكن الدائرة في هذا الفيلم لا تأخذ شكلا منتظما، فهي اقرب للشكل البيضوي.
طوال عرض الفيلم يركز المخرج على جزئيات – صور وحوارات – تثري الخط الدرامي المتصاعد للفيلم. الايقونات في الكنيسة وكذلك صورة الرئيس السابق ليوغسلافيا – تيتو. في الجنازة بداية الفيلم أحدهم ىيحمل سلاحه وأخر على مسافة قصيرة يقضم تفاحة. نوع السلاح الذي يحمله كل جانب - الكلاشن الروسي في جانب وبندقية ام 16 في الجانب الاخر. رؤية سينمائية عميقة ومتألمة لما اأصبحت عليه الحياة في بلد عاش بمحبة ولم يعرف العنف الا مؤخرا. هذا العنف الذي الذي ياخذ اشكالا مختلفة في مناطق اخر من العالم.