لجنة السينما في شومان تعرض الفيلم الفرنسي " صنع في الولايات المتحدة الأمريكية"

28-11-2022

تعرض لجنة السينما في مؤسسة عبد الحميد شومان يوم غد الثلاثاء الموافق 29 تشرين الثاني في تمام الساعة السادسة والنصف مساء، في مقر المؤسسة بجبل عمان، الفيلم الفرنسي " صنع في الولايات المتحدة الأمريكية" للمخرج جان لوك غودار.

  فيلم (صنع في الولايات المتحدة الأمريكية) للمخرج جان لوك غودار والذي تم إنتاجه عام 1966، مستوحى من فيلم (النوم العميق) للمخرج الأمريكي هوارد هواكس، والمخرج غودار يعتبر من المخرجين الطليعين، وأحد أهم مخرجي ما عرف بـ الموجة الفرنسية الجديدة -ستينات القرن الماضي- الذين أخذوا على عاتقهم اكتشاف آفاق سينمائية جديدة في الشكل والمضمون.

في بداية (صنع في الولايات المتحدة الأمريكية) وفي أجواء يلفها الغموض، تذهب بطلة الفيلم باولا نيلسون-وهي كاتبة يسارية- إلى مدينة (أتلانتا ستي) الفرنسية، في زمن غير معلوم في المستقبل - نسبة لتاريخ تصوير الفيلم- قد يكون عام 1969، وبدور محقق سري تحاول اقتفاء أثر الشخص أو الجهة المسؤولة عن اغتيال خطيبها السابق ريتشارد بوليتزر الذي ينتمي إلى حزب يساري، وهناك تشعر بأنها ملاحقة وثمة من يراقبها، ثم يدخل غرفتها في الفندق شخص يدعى تيفوس، وينتهي اللقاء بأن تقتله بحذائها، ونتابع بعدها سلسلة من مطاردات، وتحقيقات، ومواجهات فكرية/ كلامية، وسلسلة من الاكتشافات.
 

ويعد المخرج جان لوك غودار من المخرجين المحدثين في السينما، ونستطيع أن نلمس تلك الملامح الحداثية في فيلمه (صنع في الولايات المتحدة الأمريكية)، فهو لا ينطوي على حبكة تقليدية، وبعض الأفعال فيه قد تبدو خيالية أو غير واقعية، كعدم ظهور الدم مثلاً عند قتل بعض الشخصيات بالمسدس، بينما يبدو في بعضها الآخر كألوان في لوحة تشكيلية، وكأن تلك الشخصيات خارجة من عالم رسومات (والت دزني) الخيالية، وكذلك تبدو مدينة (أتلانتا ستي) وبما للاسم من دلالة مصطنعة مغلفة بدعايات وإعلانات لأفلام (هوليودية).
 

 الفيلم يزخر بالرموز والعلامات ذات الدلالة، وعلى مشاهد الفيلم أن يولي انتباها كبيرا للثيمات وللتكوينات في الصورة وللمعلومات التي تنطوي عليها، وكذلك للمحتوى الصوتي؛ كالمؤثرات الصوتية، والتسجيل الصوتي للشخصية المغدورة ريتشارد، وللخطاب السياسي الذي يذيعه، وأيضاً عليه أن يلتقط الدلالات الرمزية للألوان وكيفية توظيفها -التي يشير بعضها إلى ألوان العلم الفرنسي- وللأشكال الدائرية، ولأسماء بعض الشخصيات؛ ريتشارد نيكسون، روبرت مكنمارا، ريتشارد وايد مارك، وأي أسماء أخرى يتم ذكرها؛ كـ جان جوريس، همفري بوغرت، عالم (والت دزني)... وليبدأ المشاهد بعدها ببناء الرابط بين تلك المعطيات المتداخلة على أكثر من مستوى، والتي تجعل الفيلم مركباً وغير بسيط. فأفلام غودار أشبه بمتاهات كلما خرجت من متاهة تقع في متاهة أخرى أكثر تعقيداً، وذلك ناتج عن تعمده خلق حالة من الغموض والتشتيت والإرباك للمشاهد، لتحريضه على التفكير عندما يجد عناصر ما خارج سياقها المنطقي، ويجعله أحيانا ينفعل ويقول ماذا يريد المخرج أن يقول؟ فغودار يحرر الكاميرا من القيود النظرية، وفي كثير من الأحيان يختار زوايا ووضعيات غريبة لها، فمثلاً قد نشاهد الممثل يتحدث عن شي بينما الكاميرا مشغولة بتصوير شي آخر لا علاقة له بالموضوع أو الشخصية، وكذلك أحياناً ينقطع الصوت أو يجد المشاهد تشويشاً يختلط فيه الحوار بالمؤثرات الصوتية أو بضوضاء المكان بشكل لا يتفق مع النسق الصوري، وتكثر المنولوجات الداخلية وقد يحدث أن تتحدث شخصيتان في آن معا بشكل يصعب معه على المشاهد التركيز في أي منهما، كما أن المونتاج لدى غودار يشبه المونتاج الجدلي المتناقض أحياناً، فهناك خلط ومزج معقد أحياناً بين الماضي والحاضر، وأحياناً بين ما يدور حول الشخصية وبين ما يدور بداخله من انفعالات، فلا يوجد تسلسل منطقي والتزام بتسلسل لسرد الأحداث حسب وقوعها، هناك تفتيت وتشتيت وتجزئة للقصة، والعملية أشبه ببعثرة الأحداث لا عرضها، واللقطة في أفلام غودار أشبه بلوحة سريالية مليئة بالرموز والدلالات.
 

فيلم (صنع في الولايات المتحدة الأمريكية) يبدو كما لو أنه فيلم جريمة وإثارة، ولكنه في حقيقة الأمر هو فيلم سياسي بامتياز، يوظف بعض عناصر أفلام الجريمة والإثارة الـ (هوليودية) ليسخر منها، وليسخر عبرها من الواقع السياسي خمسينات وستينات القرن الماضي، وبشكل خاص من محاولة الولايات المتحدة الأمريكية - بعد الانتصار في الحرب العالمية الثانية- الهيمنة على العالم، وشن الحروب على بعض الدول لإخضاعها لسيطرتها؛ كالحرب على فيتنام مثلاً، وكذلك من محاولتها لإعادة صياغة وعي المجتمعات وفق سياستها، ووفق نظامها الرأسمالي، ومدى انعكاس ذلك على المجتمع الفرنسي بشكل خاص وعلى أحزابه السياسية، فالفيلم يسخر أيضاً من التبعية الفرنسية للولايات المتحدة، ومن غباء أحزاب اليمين وعاطفية أحزاب اليسار الفرنسي، وفشلها في إنجاز مشروعها، فتبدو فرنسا وكأنها تخلت عن تاريخها العريق الذي صنعته بنفسها، ليعاد صياغتها وصناعتها أمريكياً.