احتفت مؤسسة عبد الحميد شومان وضمن برنامج "ضيف العام 2022 "؛ اليوم، بالأكاديمي الدكتور وليد سيف، تحت عنوان "وليد سيف أكاديميا ومبدعا وملهما"، وذلك برعاية عضو مجلس إدارة المؤسسة الدكتورة علياء بوران.
وقال مدير منتدى شومان الثقافي ومدير الجوائز الأدبية في المؤسسة، موفق ملكاوي، في كلمته خلال الندوة التكريمية التي حضرها جمع من المثقفين والمهتمين، "أننا نكرم اليوم أيقونة وطنية توزعت مجهوداته على أكثر من مجال، فأبدع في جميعها، وألهم كثيرين من طلبته وأقرانه، إنه الدكتور وليد سيف الشاعر والكاتب والأكاديمي الفريد، الذي تتلمذ على يديه طلبة توزعوا اليوم على عشرات الجامعات، سائرين على هديه ومنهجه، وحافظين له الود والمحبة، وهو الكاتب الدرامي الذي نبش في تاريخنا النازف، والتقط منه لحظته المناسبة، ليقدم لنا مراجعة ومحاكمة لهذا التاريخ، من أجل إعادته إلى سكة الحقيقة، بما يشبه التاريخ الموازي غير المروى في الكتب المعتمدة".
وأشار ملكاوي إلى أن برنامج ضيف العام، الذي تحرص مؤسسة "شومان" ذراع البنك العربي للمسؤولية الثقافية والاجتماعية، على دوام تنظيمه سنوياً، يسعى إلى تكريم المبدعين المحليين الذين أثروا في مجتمعهم، ومنحوا الآخرين منهجاً وهدياً يسيرون عليه، كما يسعى لإلقاء مزيد من الضوء حول إبداعات هؤلاء النخبة، بأوراق رزينة تقدّم إسهامات الشخصية المكرمة، ليتم بالتالي توثيقها في كتاب يصدر لاحقاً.
وتحدث في الجلسة الأولى للندوة التي أدارها الدكتور مصلح النجار وجاءت بعنوان "في الجامعة الأردنية"، كل من الدكتور وليد العناتي "صفحات من مسيرتي الاكاديمية مع وليد سيف"، والدكتورة فريال القضاة "وليد سيف وتكامل الهويات"، والدكتور هيثم سرحان " وليد سيف طائرا محكيا".
وأشار المتحدثون في شهاداتهم إلى أن الدكتور وليد سيف ليس ممن يَرْضون من الغنيمة بالإياب، ولا يقبلونَ بأنصاف الأدوار، مؤكدين أن هويته العربية تتكامل مع هويّته الإسلامية، دون أن تحلّ إحداها محلّ الأخرى.
وحملت الجلسة الثانية عنوان "وليد سيف الشاعر" وأدارتها الدكتورة شهلا العجيلي، تحدث فيها الدكتور إبراهيم السعافين " الصورة والدلالة في شعر وليد سيف"، والأستاذ زهير أبو شايب " شعرية الحنين: قراءة في منجز وليد سيف الشعري"، والدكتور راشد عيسى " الانفعال الدرامي في شعر وليد سيف".
وبين المتحدثون، أننا حينما نقف عند بدايات وليد سيف نلاحظ أمرين لا يخفيان على أحد وهما: المرحلة الزّمنية التي يتأثّرها الشّاعر؛ إذ إنّ الشّاعر ابن عصره وبيئته وثقافته ومرحلته التاريخيّة، والأمر الثّاني صدوره عن رؤيةٍ وعن قضيّة.
وأشاروا إلى أن تجربة وليد سيف الشعريّة ولدت كما يتّضح لقارئها، في لحظة الانهيار العظيم الّذي اتّفق على تسميته "النكسة". ولذا فإنّ كلّ قراءة جديدة لهذه التجربة، وكلّ محاولة للتعرّف على ملامحها ومذاقاتها وخرائطها السريّة ستقود بالضرورة إلى "النكسة" بوصفها نقطة الارتكاز الّتي ظلّت قصيدة وليد سيف مشدودة إليها باستمرار منذ البداية.
وبينوا ان سيف كشاعر؛ موهوب حقيقي يمتلك خيالًا شجاعًا ومعرفة جامعة باللغة العربية وبأساليب التعبير النثري على اختلاف فنونه.
والجلسة الثالثة التي جاءت بعنوان " وليد سيف الروائي" وأدارتها الدكتورة صبحه علقم، فقد تحدث فيها الدكتورة رزان إبراهيم " بنية الشخصيات في روايات وليد سيف التاريخية " والدكتور محمد عبيدالله " ملامح السرد الروائي في تجربة وليد سيف، قراءة استطلاعية"، والأستاذ فخري صالح " التغريبة الفلسطينية، الرواية والدراما"، والدكتورة مها ياسين " التغريبة في عيون والدي ".
وأكد المتحدثون أن وليد سيف من أولئك الكتاب الذين ساهموا وما زالوا في إنارة السلوك البشري الماضي وانعكاساته على الحاضر، ذلك أنه تجاوز بقلمه فكرة استعادة الأحداث التي سجلها التاريخ حول شخصياته الروائية إلى أبعد من هذا بكثير.
وقالوا ان التجربة الروائية لوليد سيف في السنوات الأخيرة، جاءت تتويجًا لمشروع إبداعي طويل، وإضافة أخرى من إضافات هذا المبدع الذي قدّم في مشواره بصمات لا تمّحي في كل مجال من مجالات إبداعه واهتمامه؛ في الشعر والرواية والسيرة والنقد والدراما التلفازية والمسرح والإعلام والكتابة الفكرية والسياسية، إلى جانب التدريس والبحث والتأليف في مجالات أكاديمية جامعية تتصل باللغويات (اللسانيات) وموسيقى الشعر ونحوها.
وأشاروا إلى أن سيف في مسلسل التغريبة الفلسطينية خاطبَ بأسلوبِه السلسِ؛ المشاهدَ العاميَّ البسيط َوالباحثَ المتعمقَ فكان لهذا الأسلوبِ السهلِ الممتنعِ أثرُه في أن تتغلغل أحداثُ المسلسلِ في كلِّ بيتٍ. ولعلنا لا نبالغُ حينما نقولُ إنّ مشاهدةَ التغريبةَ زادتْ من رغبةِ الكثيرينَ في العودةِ لوطنٍ لم يروهُ يوماً، وسهّلتْ علينا كثيرا أن نعرّف أبناءنا بقضيةِ شعبنِا الفلسطيني.
وتحدث في الجلسة الرابعة التي أدارها الكاتب مفلح العدوان وجاءت بعنوان " معالجة التاريخ"، كل من الدكتور تيسير أبو عودة " كتابة التاريخ والوعي الأيديولوجي في أعمال وليد سيف"، والمهندس جهاد إبراهيم "فلسفة التاريخ في أعمال الدكتور وليد سيف "، والدكتور يوسف حمدان " من المطلقات الي تمثل الشرط الإنساني: التاريخ في أعمال وليد سيف الدرامية"، والدكتورة لينه عوض " المقاربات التاريخية في أعمال وليد سيف: بين الدراما والرواية".
وأشاروا إلى أن سيف في "التغريبة الفلسطينية"، يعود بنا لحقبة ما قبل النكبة وما بعد الحكم العثماني وصورة النظام الإقطاعي في فلسطين، وثلاثينيات القرن الماضي، وبدايات الثورة الفلسطينية، حيث تولد في قرية منسية في طولكرم حكايات شعبية عظيمة، تشبه إطار ألف ليلة وليلة في قدرتها على توليد حكايات وسرديات أخرى.
وقالوا إن سيف يتكئ في روايته الملحمية "التغريبة الفلسطينية" على ممكنات السرد الروائي، وميكانيزمات التشخيص المسرحي والروائي، ورغم أن الرواية في نزعتها الملحمية والمسرحية رواية طويلة كتبت في جزئين، إلا أن شكلها الحواري عبقري بصورة لافتة، وجوهر الحكاية فيها ولّاد كالحب والموت، ومنطق المسرح فيها يشد القارئ لآهات الشخوص، وصمتهم، وعنفوان الحبكة، وغموض المخفي في الحكاية، والزجل والميجنة والأسطورة الواقعية والواقع الأسطوري والمحكية الفلسطينية.
وفي الجلسة الخامسة التي حملت عنوان "شهادات"، وأدارتها الدكتورة أماني سليمان، تحدث فيها الدكتورة سهير سيف " وليد سيف الإنسان"، والدكتور وليد الشرفا " وليد سيف الأكاديمي والمسكون بالسرد والدراما" والأستاذ زياد سلامة " قراءة في الشاهد والمشهود"، والدكتور خليل الزيود " على قلق كأن الربح تحتي قراءة من شرفة الشاهد والمشهود"، والمهندسة سوسن إبراهيم " وليد سيف الذي عرفت".
وبين المتحدثون أن سيف الإنسان لا يمكن أن يمر على موقف مهما كان في نظرنا بسيطا عابراً إلا وقف عنده مليّا يفلسفه ويقلّبه ويراجعه ويسقط عليه من وحي فكره العميق، وهو الأديب الناقد المفكر وما تمليه عليه إنسانيته الطاغية على كل شيء.
وفي نهاية الفعالية، أعرب "ضيف العام" سيف، عن شكره وامتنانه لمؤسسة "شومان" على تنظيمها لهذه الاحتفالية التكريمية.
وقال في كلمته، كل تكريم يرتب على المكرّم مسؤولية كبيرة ليسمو إلى مستوى التوقعات ويتابع جهوده إلى آفاق جديدة. وقد قيل في أحد النحويين القدماء إنه مات وفي نفسه شيء من "حتى"! قد تكون نادرة قيلت تظرفا. ولكنها تحمل قدرا من الحقيقة، وتنطبق على كل المشتغلين في المجالات المعرفية والإبداعية بشغف وعمق. وقد قيل أيضا:"لا ترض دون الكمال، ولن تبلغه". وقيل:"ما يزال العالم عالما ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل". وكذلك الحال في الحقول الأدبية والإبداعية. والأسئلة التي نسعى للإجابة عنها، تنتج من الأسئلة الجديدة أكثر من الإجابات. وكل نص إبداعي يخلق شرط الإمكان لنصوص جديدة. وبذلك يبقى القلق المعرفي والإبداعي متسلطا يدفع إلى متابعة الرحلة دون الوصول. ولعل هذا من شقاء الشرط الإنساني وجماله. فهو أكثر تعقيدا وسعة من أي واحد منا مهما تكن موهبته وكفاياته وقيمة جهوده.
يشار الى أن سيف هو أكاديمي وشاعر وكاتب درامي وروائي ومفكر في مجالات التاريخ والفلسفة، والأدب، واللسانيات والثقافة.
حصل على درجة البكالوريوس من قسم اللغة العربية وآدابها بالجامعة الأردنية (١٩٧٠)، وعلى درجة الدكتوراة في اللسانيات والصوتيات من جامعة لندن (١٩٧٦). عمل في الجامعة الأردنية، وفي جامعة القدس المفتوحة في فترة تأسيسها. وأمضى عاماً بصفة أستاذ زائر في جامعة جورج تاون في واشنطن. وتفرغ للكتابة والتأليف منذ عام ٢٠٠٤.
صدرت له ثلاث مجموعات شعرية وكتب عدداً كبيراً من النصوص الدرامية التلفازية، من أشهرها صلاح الدين الأيوبي؛ صقر قريش؛ ربيع قرطبة؛ ملوك الطوائف؛ التغريبة الفلسطينية؛ عمر، مثلما صدر له كتاب في السيرة الذاتية والفكرية بعنوان "الشاهد المشهود"، كما نشر العديد من الروايات في السنوات الأخيرة: "ملتقى البحرين"؛ "مواعيد قرطبة"؛ النار والعنقاء (في جزأين)؛ "الشاعر والملك"؛ التغريبة الفلسطينية (في جزأين)، ونشر الكثير من المقالات والأبحاث في الفكر والأدب والسياسة.
حصل على جوائز عدة في مقدمتها "وسام الملك عبد الله الثاني للتميز من الدرجة الأولى"، وجائزة الدولة التقديرية من الأردن، وجائزة الدولة التقديرية من فلسطين، وجائزة أفضل كاتب سيناريو أربع مرات متوالية من مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون، وجائزة تقديرية من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الجامعة العربية)، إضافة إلى جوائز وتكريمات عدة أخرى.