"غريس رحلت" فيلم أمريكي تعرضه "شومان"
16-09-2019
تعرض مؤسسة عبد الحميد شومان، عند الساعة السادسة والنصف من مساء يوم غد الثلاثاء 17 أيلول، الفيلم الأمريكي "غريس رحلت" لمخرجه جيمس سي ستروز.
أحداث احتلال العراق وتداعياتها، فتحت شهية السينما الأمريكية التي وجدت فيها مادة مثيرة تضفي بعض التنوع على القوالب المتكررة في أفلامها.
أحدث ثلاثة أفلام من هذه الموجة هي "صور مطموسة" للمخرج بريان دي بالما والذي جرى تصوير أحداثه في الأردن ويروي قصة اغتصاب فتاة عراقية من قبل جنود أمريكيين والتي تحولت إلى مادة لفيلم يقود أحداثه محقق يبحث عن الحقيقة ويفضح التورط الأمريكي في العراق وما يصاحبه من قمع كما يفضح تواطؤ وسائل الإعلام بحيث لا يجري كشف الحقيقة إلا من خلال مواقع الانترنت المستقلة، والفيلم مبني بطريقة أقرب إلى التسجيلية.
الفيلم الثاني هو" في وادي إيلاه" للمخرج بول هاجيس والذي يستفيد من حادثة حقيقية تتعلق باختفاء مجند أمريكي بعد عودته من العراق والعثور على جثته مقتولا بعد ثلاثة أشهر من اختفاءه، ليعطي دورا لمحقق يبحث عنه.
غير أن فيلم واحدا شذ عن قاعدة استخدام المحقق والتحقيق، وتعامل مع الموضوع بشفافية فنية وبحس شعري وبروح إنسانية، وهو الفيلم المعنون "غريس رحلت" بتوقيع من المخرج جيمس سي ستروز.
أفضل ما يمكن أن يوصف به هذا الفيلم البسيط شكلا وقصة والممتلئ روعة وعمقاً في الوقت نفسه هو أنه من نوع السهل الممتنع. (غريس) هو اسم بطلة الفيلم الحاضرة الغائبة. حكاية الفيلم بسيطة جداً: يتلقى الأب الشاب الذي يعتني بطفلتيه نبأ مقتل زوجته التي جندت للحرب في العراق، وهو الآن وتحت تأثير الصدمة يواجه مأزق إبلاغ ابنتيه الطفلتين بالنبأ المفجع. هذه حبكة تشكل مسيرة الفيلم بكامله، حبكة توحي بفيلم تسيطر عليه الميلودراما، ولكن الفيلم لا يفعل ذلك بل ينحرف بقوة عن اتجاه الحبكة الميلودرامي وباتجاه معاكس تماماً، إذ يقرر الأب فجأة أن يأخذ طفلتيه بعيدا عن المدينة، يقرر أن لا يذهب إلى العمل، أن لا تذهب طفلتاه إلى المدرسة، وأن يذهبوا جميعا في رحلة تتيح للطفلتين بعض الفرح ومتع الحياة قبل أن يبلغهما النبأ المفجع في نهاية الفيلم. وحين تشك ابنته الكبرى في قراره معتقدة انه فصل من العمل، فهو ينكر ذلك ويطلب منها أن تتجاهل عمله وأن تتجاهل أيضا مدرستها وامتحاناتها وضمن هذا اللجوء إلى الحياة تحديا للموت نرى الأب في أكثر من مشهد يتصل هاتفيا بمنزله الفارغ ليتحدث عبر المجيب الصوتي في هاتفه المنزلي من زوجته وكأنها لا تزال حية تستمع إليه.
يقدم الفيلم لحظة إبلاغ الأب لابنتيه بمصرع والدتهما في مشهد شفاف وشديد التأثير لا صراخ أو مغالاة فيه. بداية يذكر الأب لابنتيه أن أي إنسان يسافر بعيد قد يتعرض لخطر ما أو أذى ما، وحين تتنبه الابنة إلى أن مكروها ما قد أصاب أمها، يلغي المخرج صوت الكلام ونرى فقط مشهد الحديث ورد الفعل على الخبر على وقع موسيقى ملائمة.
على العكس من غالبية الأفلام الأمريكية وخاصة التي تنتمي إلى ما يسمى بالسينما الهوليودية، التي تعتمد على الإثارة والتي تسمى" أفلام الحركة"، ففي فيلم "غريس رحلت" الكثير من المشاعر التي تسيطر على المشاهدين. وهي مشاعر على درجة عالية من النبل، مشاعر لا يمكن وصفها، بل يمكن فقط معايشتها، مشاعر تنبض بالحياة، تماما مثلما أن الفيلم ينبض بالحياة.
وإذا كان فيلم "غريس رحلت" يقدم لنا مشاعر إنسانية فهو لا يقدمها ضمن الغرف المغلقة، بل ضمن أماكن منفتحة على الحياة، تماماً مثلما أن الفيلم منفتح على الحياة، وثمة العديد من المشاهد الساحرة الممتلئة بالحياة في الفيلم، ومنها مشاهد متنوعة نرى فيها الطفلتين وهما تلعبان معا أو تتشاكسان. والطفلتان في الفيلم، الكبرى منهما في حدود الثالثة عشر من عمرها والثانية في حدود الثامنة، تقدمان لنا أداء تمثيليا مبهرا وصادقا إلى حد بعيد، وكأن كاميرا المخرج اقتنصت منهما لحظات فرح حقيقية يعيشانها في الواقع.
في جانب آخر يقدم الفيلم نموذجا فذا لكيفية تقديم فكرة سياسية، أو ذات خلفية سياسية. بطلة الفيلم ماتت في الحرب أثناء وجودها مع قوات الاحتلال الأمريكية في العراق، يكتفي الفيلم بالإبلاغ عن هذه الحقيقة في مشهد قصير في بدايته ولا يعود لها، إلا في لحظة يتمنى فيها لو أنه ذهب بدلا منها، لكن فاجعة الموت في الحرب هي خلفية الفيلم كله، وتلقي بظلالها عليه رغم أن هذه الظلال غير مرئية، وبالتالي فهو فيلم سياسي في العمق، ولكن بدون سياسة ظاهرة.
فيلم (غريس رحلت) متقن حرفيا ومبدع إخراجا وتصويرا وأداء واستخداما للموسيقا، كما أننا نلاحظ أن موسيقا الفيلم من تأليف الممثل المخرج كلينت إسوود، الذي شاهد النسخة الأولى للفيلم؛ فأعجبه كثيرا ولكن الموسيقا لم تعجبه فتبرع بتأليف موسيقى بديلة.
العرض المقبل سيكون يوم الأحد المقبل 22 أيلول، مع الفيلم المصري "ليل خارجي" في سينما الرينبو، وذلك ضمن أيام شومان الثقافية في جبل عمان.