أبو رمان في "شومان": تصويب علاقة الشباب بالدولة تحتاج الإرادة لتحقيقها

24-09-2019

قال وزير الثقافة ووزير الشباب الدكتور محمد أبو رمان، إن "حالة عدم اليقين المشتبكة بالإحباط وانتشار مشاعر الغضب من الأوضاع القائمة وعدم نجاعة السياسات الاقتصادية والتنموية العربية؛ هي أخطر ما يواجه الشباب العربي اليوم".

وتابع أبو رمان إن ذلك "يدفع بهم إما إلى الهجرة،أو التطرف، أو الوقوع في فخّ المخدرات وغيرها؛ من آفات محيطة بهم تمثل البيئة الحاضنة، بدلاً من أن تكون تلك البيئة مشتبكة مع مناخات الإبداع والإدماج والاندماج في العمل العام".

ولفت أبو رمان في محاضرة بعنوان "الدولة والشباب: من الأزمة إلى الحل"، نظمها منتدى عبد الحميد شومان الثقافي، أمس الإثنين، ضمن أيام مؤسسة عبد الحميد شومان الثقافية في جبل عمان، وأدارتها مع الجمهور الرئيسة التنفيذية للمؤسسة فالنتينا قسيسية إلى أن هذه المحاضرة بهذا التوقيت، وبالعنوان المطروح، في المناخات الحالية بمثابة مهمة مرهقة ومعقّدة، خاصة مع انتشار حالة من الإحباط وخيبة الأمل لدى جيل الشباب.

وبحسبه، فإننا يجب أن نشتبك معاً في تحديد وتعريف الوضع الراهن وإشكالياته وتشابكاته وتعقيداته، لأنّ التوصيف الصحيح والتعريف الدقيق للعلّة والمشكلة يساعد تماماً على إدراك الحل ومضامينه المطلوبة، مؤكدا أن "العلاج الخاطئ" يفاقم المشكلة ويزيد من صعوبة الحل المطلوب.

ولاحظ أبو رمان أنّ خطاب الدولة شهد تحوّلاً كبيراً تجاه الشباب، وانتقل من مرحلة يرتبط فيها الشباب فقط بالرياضة ووقت الفراغ، إلى مرحلة يرتبط فيها الملف بالأخطار التي تواجه الشباب؛ كالتطرف والإرهاب والمخدرات ودعوى انخفاض منسوب الشعور بالهوية الوطنية لصالح الهويات الفرعية.

وبين المحاضر أن موضوع الشباب لم يعد هامشياً أو مهمشاً، وهنالك قناعة راسخة لدى صانع القرار اليوم بأهمية ملف الشباب وضرورة التعامل معه بجدية وكأولوية، وهو ما قد يساعد على تحرير مساحة واسعة من التشريعات والسياسات لخدمة الشباب.

ووجد أبو رمان أن هناك أموال كثيرة تصرف وتعقد اجتماعات وتوضع استراتيجيات وتنشر خطابات ومقالات بحجم الجبال، ثم في النهاية يجد الشاب نفسه وحيداً يقارع الأزمة ويُسلّم إلى حالة الإحباط والشعور بعدم اليقين وغياب الأمان الشخصي والمجتمعي والسياسي.

وبشأن الأخطار المتعلقة بالتدافع الراهن بين الدولة والشباب، أعتبر أبو رمان أن حجم التداخل والتقاطع الكبير بين المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، الدولية والوطنية، يجعل البرامج والأجندات متزاحمة ومتضاربة في أحيان، ما يمنع من إقامة جدول أعمال وطني استراتيجي مرحلي لملف الشباب.

ما سبق طرحه، أدى -وما يزال- بحسب المحاضر، إلى أن تتسم برامج الشباب بـ"قصر النفس"،والهشاشة، ما ينتهي المطاف في أغلبها من دون وجود نتائج عميقة ملموسة،وهي نتيجة متوقعة إذا لم تنطلق الجهود والتصورات والأموال التي تنفق من منظور صلب توافقي دقيق في تعريف الأزمة الحالية، وتعريف ما هو المطلوب من الأطراف المختلفة، وتأطير المراحل وسبل الوصول إلى حلول أو إجابات على المشكلات.

وأعتبر أننا فيحال تعريف حجر الزاوية في النظر إلى ملف الشباب في خطاب الدولة الإعلامي، وبما يعكس منظور الدولة لملف الشباب سنجد أنّ كلمة "البطالة" هي المفتاح الرئيس، لافتا إلى أن هنالك قلق شديد مشروع وصحّي من المعدل غير المسبوق للبطالة في الأردن، وتحديداً لمئات الآلاف من الشابات والشباب ممن ينتظرون فرص عمل، مع وجود فجوة حقيقية بين حالة السوق وخريجي الجامعات.

وخلص أبو رمان إلى أنّ مشكلة البطالة مرتبطة بإشكالية الإدماج الاقتصادي للشباب في سوق العمل، لكنّها– في جزء منها- مرتبطة بإشكالية العلاقة بين الدولة والمواطن أو مفهوم المواطنة نفسه، الحقوق والواجبات والتوقعات، ماذا يتوقع المواطن/ الشاب من الحكومة والعكس صحيح.

في هذا السياق،تساءل أبو رمان "لماذا تبدو أزمة البطالة – سياسياً- في المحافظات بدرجة أكبر، وذات طبيعة سياسية متزاوجة مع الاقتصادية؟ لكنه أجاب "المعادلة التاريخية والاقتصادية والسياسية بنيت على نمط علاقة التوظيف وليس التشغيل فهنالك محدودية في القطاع الخاص في أغلب المحافظات وعدم قدرة لديه على توليد فرص العمل".

وبحسبه، هنالك أزمة كبيرة في الإدماج السياسي لجيل الشباب مرتبطة بالمسار الديمقراطي نفسه،وبسياسات الدولة التي تحولت خلال عقود ماضية إلى الاعتماد في عملية صنع القرار والمراكز القيادية على جيل الكبار في العمر.

وأيضا الأزمة مرتبطة،بحسب المحاضر، عدم تجديد وتطوير قواعد اللعبة السياسية وأدواتها بما ينسجم مع التحولات الكبرى، سياسياً واقتصادياً وعلمياً وتكنولوجياً وثقافياً، ما نجم عنه فجوة سياسية وثقافية كبيرة لا تقل عن المشكلات الاقتصادية بحال من الأحوال.

وأكد أبو رمان أن القوى السياسية والأحزاب لم يطوّرا خطابهما تجاه الشباب، لأسباب موضوعية وذاتية، لا تدخل في نطاق البحث هنا، معتبراً أن الأحزاب التي نجحت في إدماج الشباب في أطرها التنظيمية، وصعّدت قيادات منهم إلى الصفوف العليا وإلى عملية صنع القرار، لم تستطع إدماجهم بصورة سلسة في العمل السياسي العام.

ورأى أن غياب المشاركة السياسية الفاعلة للشباب عبر القنوات الحزبية أو السياسية القانونية والشرعية، وحالة الاستنكاف عن هذا المجال "لا تُسجل بوصفها مؤشراً على عدم رغبة جيل الشباب بالاندماج في العمل العام، أو اقتصاره على الجانب الاقتصادي، أو رضاه عن الوضع الحالي، بل على النقيض؛ فهي تعكس حالة من "الاغتراب السياسي" للشباب.

وأكد أنّ الحوار الحقيقي الواقعي العقلاني المباشر الجريء بين الشباب وبين الأطر السياسية الرسمية وغير الرسمية هو خطوة جوهرية ومهمة جداً لتذويب جدار انعدام الثقة بينهم وبين الدولة، وفي سبيل تفكيك حالة الإحباط والسلبية وعدم اليقين التي تجتاح النسبة الكبيرة من الشباب اليوم.

لكن الحوار مشروط،بحسبه، بـ"قواعد وقيم وسياسات وليس مجرد كلمة، والمبدأ الأول بالحوار هو أهمية الإنصات لجيل الشباب إنصاتاً عميقاً، لنفهم كيف يقرؤون هم مشكلاتهم وكيف يعبرون عن همومهم وكيف يرون الطريق إلى المستقبل، وما هي رؤيتهم هم لدورهم ولطريقهم نحو الإدماج السياسي والاندماج الاقتصادي".

وأوصى أبو رمان بالإنصات لجيل الشباب، وتدشين قنوات من الحوار في مختلف المجالات، وإبراز صوت الشباب في المجتمع، وإيجاد منصات لهم للتعبير عن أنفسهم، وتوفير المساحات الصديقة لهم والخدمات المطلوبة لتحقيق هذه الغاية، ثم العمل معهم على تنفيذ أحلامهم ضمن مسار توافقي ينسجم مع إمكانيات الدولة وقدراتها المالية والاقتصادية.

كما أوصى ببناء الأطر والإمكانيات والديناميكيات لتصعيد قيادات شبابية تمثل جيل الشباب وتندمج في عمليات صنع القرار السياسي والاقتصادي، ليكونوا بالفعل هم ممثلو جيل الشباب اليوم في داخل مؤسسات الدولة، وليس المقصود هنا "كوتا شبابية" بل أن يطغى جيل الشباب اليوم على عمر الحكومات ومجالس النواب.

أعقب أبو رمان توصياته، متسائلاً "هل نمتلك القدرة على هذه المجازفة السياسية، كما سيردّ بعض المسؤولين والسياسيين؟"، قائلا في هذا السياق "لا توجد أصلاً هنالك أي مجازفة، ولدينا قيادات شبابية فذة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وعقول مدهشة،لكنها لم تأخذ الفرصة ولا المساحة المناسبة، ولم تتوافر على آليات وماكينات الصعود والبروز المطلوبة".

من جهتها، قالت قسيسية "على الدوام يؤكد جلالة الملك، عبدالله الثاني، ومنذ توليه سلطاته الدستورية وجه جميع المؤسسات للعمل مع الشباب، معتبراً إياهم المستقبل الذي نريده مشرقاً لهذا البلد، وكذلك التواصل مع الأجيال الشابة في سبيل صياغة مستقبل الأردن".

وتابعت "استراتيجيات وطنية عديدة تم إقراراها لمصلحة إدماج الشباب، ورفع نسب مشاركتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.. وأيضا خطط عديدة تبنتها مؤسسات وجهات ذات صلة لتحقيق الهدف نفسه، ولكن حتى اليوم بقي هذا الأمر يراوح مكانه".

والمحاضر؛ وزير الثقافة والشباب منذ العام ٢٠١٨، وهو باحث في مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية ومدير وحدة الدراسات السياسية حتى العام 2018،كما عمل كاتبا في صحيفة الغد اليومية منذ انطلاقها حتى العام 2018، ولديه العديد من الكتب المنشورة.

وتعد "شومان"؛ ذراع البنك العربي للمسؤولية الاجتماعية والثقافية، وهي مؤسسة ثقافية لا تهدف لتحقيق الربح، تعنى بالاستثمار في الإبداع المعرفي والثقافي والاجتماعي للمساهمة في نهوض المجتمعات في الوطن العربي من خلال الفكر القيادي والأدب والفنون والابتكار.