شدد الرئيس التنفيذي لمجموعة "إنتراكتف" الدكتور الباكستاني شاهد محمود، على أهمية استغلال الأدوات العلمية والشروع في تطوير ابتكارات تكنولوجية جديدة، تتميز بأسلوبها الريادي والتعاوني لتناسب الدول الإسلامية.
وأكد محمود حاجة دول "التعاون الإسلامي" لآليات مدروسة تستند إلى العلوم، ما من شأنه أن يُمكن هذه الدول، وفي الوقت الملائم، ركوب الموجة الخامسة من الابتكار، وأن يكونوا على قدم المساواة مع العالم الغربي.
جاء حديث محمود، في إطار محاضرة "ازدهار العالم الإسلامي من خلال الانفتاح على الابتكار والتكنولوجيا"، في منتدى عبد الحميد شومان الثقافي، أمس الإثنين، وأدارها مع الجمهور د. عمر الجازي، والذي رأى أن مشكلة العالم الإسلامي لا تتمثل بالاستثمار المالي في المجال العلمي وحسب؛ إنما في استثمار وتوجيه الروح الجماعية للمجتمع تجاه هذا المجال، وفقًا لمعايير الابتكار وإعداده للمنافسة مع الغرب.
وبحسبه، فإن مقاييس الاستيعاب المحددة، بما يتعلق بالقدرات البحثية مع التدفق المتزايد للعلماء لا يمثلان الحل الأمثل للحداثة العلمية، بالنسبة للمسلمين، وأن الحاجة تقتضي الاحتفاظ بالمبادئ الإسلامية الأساسية وتشجيع العقليات التي تروج لتبادل الأفكار بُحرية في إطار مؤسسات اقتصادية طبيعية، مما يفضي إلى تعزيز الابتكار العلمي.
وحول الثورة الرقمية، بين المحاضر أنها "أداة ابتكارية ستتصدى للتحديات الملحة في المستقبل وستُدمج هذه الثورة الرقمية مثل استخدام إنترنت الأشياء والبيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعي في الموجة الخامسة أو الثورة الصناعية الخامسة، بهدف تطوير مجتمع فائق الذكاء، والذي سيُعرف فيما بعد باسم مجتمع الثورة الصناعية الخامسة".
وبشأن الذكاء الاصطناعي ودوره في ازدهار العالم الإسلامي، قال محمود "أمامنا اليوم شكلاً جديداً أرسى نفسه من خلال خبراتنا الابتكارية، وهو يحمل طابعًا ابتكاريًا فائقًا من شأنه أن يحدث تغيرًا جذريًا للبشرية جمعاء، إذ يمكن أن يكون إيجابيًا بالنسبة لجزء من الإنسانية أو مدمرًا بالنسبة للآخر.. هو العصر الجديد من الذكاء الاصطناعي أو ببساطة AI".
تابع إن "الذكاء الاصطناعي بوضوح هو التعلم الآلي، أي القدرة التي تمكن آلية الحوسبة من البحث عن أنماط مخفية من مجموعة ضخمة غير منظمة من البيانات، في وقت التشغيل والوقت الفعلي وهي آلية دافعة مماثلة للعقل البيولوجي".
ولاحظ محمود أن الذكاء الاصطناعي لم يعد "تكنولوجيا مستقبلية"، وهو مستخدم حاليا على نطاق واسع في العديد من القطاعات الموجودة في صميم حياتنا، لافتا إلى أن اندماج الآلات على أساس منتظم أدى إلى ظهور أجهزة أكثر ذكاءً وقوة.
وتساءل محمود "إذا كنا على حافة الدخول إلى عصر مظلم آخر، أم أننا على مشارف أفضل أيام حياتنا؟"، موضحا في هذا السياق، أن الموجة الخامسة من التكنولوجيا تشهدًا عالمًا ابتكاريًا فائقًا حيث تمثل "الأتمتة" معيار الكفاءة الجديد، والتي يدعمها استخدام تقنيات الذكاء المعرفي والاصطناعي.
وذهب المحاضر إلى أن مجالات العلوم والتكنولوجيا، مثل قطاع المنتجات الصيدلانية والأدوية الحيوية وتقنية النانو، ستشهد أكبر تقدم في الموجة المقبلة وستوفر أفضل عائد ممكن على الاستثمار، مع تركيز آليات الإنتاج الحالية على عمليات الإنتاج البديلة.
وتنبأ محمود أن هذه المجالات ستؤدي إلى توجيه البشرية للتغلب على التحديات الاجتماعية والسياسية المتنوعة المتعلقة باكتظاظ السكان، والشيخوخة، والعوامل البيئية، ومشكلات الطاقة، وبالتالي ستدرك مجتمعًا اقتصاديًا نابضًا بالحياة.
وأكد أن "العلم ليست له نهاية، تمامًا مثل المهارات"، لافتا إلى أن العلم يعزز الرفاهية ويحفز تحقيق الثروات والازدهار، ويساعد على فهم مستقبل البشرية في حد ذاتها.
وأوضح محمود أنه لبلوغ مجتمع مزدهر بعد الثورة الصناعية الخامسة، نحتاج أن نفهم عدم اعتبار الرفاهية المادية والفردية للمجتمع الحالي على أنها أمرًا مؤكدًا ومسلمًا به بعد الآن، وأن يتم التعامل معها على أنها تمثل شاغلاً مشروعًا، وأن هناك طريقًا واحدًا فقط للتقدم والذي يسمى بالمعنى الأوسع للمصطلح الابتكار التكنولوجي.
وأشار إلى أن "الابتكار التكنولوجي" يتطلب استثمارًا، عاطفيًا وإدراكيًا وماليًا على حدٍ سواء، من أجل تحقيق الرفاهية المادية إلى جانب إمكانية زيادة الإنتاج بشكل كبير، ما يفتح الباب واسعا أمام توفير أسواق جديدة ويحقق الروح الحقيقية لمجتمع الثورة الصناعية الخامسة.
أما بخصوص "التأخر العلمي في العالم الإسلامي"، فرأى محمود أن العالم الإسلامي اليوم، يختلف عن الغربي على مستوى العلوم، من خلال مؤشرات مختلفة، يتمثل أحدها في إنفاق إجمالي الناتج المحلي على البحث والتطوير، مشيرا إلى أن ماليزيا هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي تنفق أكثر من 1٪ من إجمالي الناتج المحلي على البحث والتطوير، بينما تبلغ نسبة إنفاق الدول الإسلامية الأخرى أقل من 1٪، في حين أن المتوسط العالمي يقترب من 2٪.
واعتبر أن إعادة النظر في الماضي واستشراف المستقبل المتوقع، أمر ضروري للتفكير في أوضاع العالم الإسلامي، في ظل ابتعاد مجتمعاتنا عن الحاق بركب التطور، والابتعاد عن آليات تتماشى والإتقان الصناعي الغربي، أو الاستفادة من تجارب رواد الأعمال الذين لديهم "خطة نهضوية".
وفسر المحاضر فشل الدول الإسلامية في مواكبة التطورات، لجوء الدول الإسلامية الغنية التي تتمتع بالموارد الطبيعية الهائلة على نحو يجعل أسواقها لا تأخذ "ديناميات" الابتكار والوقت الحقيقي بعين الاعتبار، ما يؤدي إلى غياب الابتكار من ناحية وإلى احتكار كبير يمنع وجود سوق تنافسية عادلة من ناحية أخرى.
ولفت إلى أن العلوم الإسلامية تفتقر إلى طاقة فكرية لازمة للابتكار، مؤكداً أن العالم الإسلامي غني عن استيراد أنظمة متطورة من أجل تحقيق الحداثة، وأن "عصره الذهبي" مفعم بكل ما يحتاجه لتحقيق ذلك وبطريقته الخاصة.
وطالب المحاضر، منظمة التعاون الإسلامي، باستقطاب العقول المتنوعة من الدول المشاركة وصقلها، باعتبار أنها غير قادرة على تحقيق ذلك، في ظل الحروب السياسية المشتعلة من أجل السلطة، الأمر الذي ينجم عنه تجاهل أهمية المصلحة العامة التي تتمثل في إخراج أفضل ما في الدول الأعضاء وإبرازه.
وأوصى باستدعاء "الروح الحقيقية للعصر الذهبي للإسلام وتفعيلها"، في شكل جامعات؛ تهدف إلى تطوير الثقافة القائمة على الأدلة والعقل والذكاء، وعن طريق المنح الدراسية وإنتاج المهارات واسعة الاطلاع.
بدوره، قال الجازي خلال تقديمه للمحاضر ان "ضيفنا يسلط الضوء على الاحتياجات الماسة للمجتمع، باستخدام تكاملي لنظم الاتصالات لدعم قطاعات الصحة والتعليم والسلامة العامة".
وتابع "كما ان المحاضر لديه شغف في تعليم اليافعين والأطفال، وتطوير معارفهم في التوجهات التكنولوجية الأكثر حداثة، ولديه كذلك مشاريع عدة لخدمة المجتمع وتمكينه، منها (مجتمع البراق للكواكب، ومستشفى زبيدة خالق المجاني)، وغيرها من المشاريع".
ومحمود؛ لديه خبرة تمتد لأكثر من 33 عامًا في تطوير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والبنية التحتية للوسائط اللاسلكية في الباكستان. وهو أيضًا أحد مؤسسي "مختبر التبصر- Foresight Lab" بالتعاون المشترك بين AGAHI ومجموعة شركات "Interactive، الذي يهدف إلى الترويج لمؤشرات المستقبل في البلاد لدفع عملية وضع السياسات والأسس الاستراتيجية في المجالات الهامة من خلال إشراك المشرعين وواضعي السياسات والأوساط الأكاديمية والمجتمع.
وهو عضو مجلس إدارة قديم في الشبكة العالمية لخزان الفكر (GTTN)، والرئيس المشارك لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المجلس الاستشاري للشركات (CAC) التابع للجامعة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا(NUST)، كما أنه يعمل حاليًا مع العديد من الجامعات في الأبحاث المستقبلية.
وتعتبر "شومان"؛ ذراع البنك العربي للمسؤولية الاجتماعية والثقافية، وهي مؤسسة ثقافية لا تهدف لتحقيق الربح، تعنى بالاستثمار في الإبداع المعرفي والثقافي والاجتماعي للمساهمة في نهوض المجتمعات في الوطن العربي من خلال الفكر القيادي والأدب والفنون والابتكار.