"شومان" تعرض الفيلم الألماني "مانيفستو"
11-02-2019
تعرض لجنة السينما في مؤسسة عبد الحميد شومان، في السادسة والنصف من مساء يوم غد الثلاثاء، الفيلم الألماني للمخرج الفنان جوليان روزفيلدت.
والفيلم تجربة فنية جديدة في السينما، انطلقت اصلا من تجهيز أدائي فني قام بإعداده المخرج نفسه وتمثل في ثلاثة عشر لوحة مشهديه قامت ببطولة كل منها الممثلة كيت بلانشيت والتي أدت اثنتي عشرة شخصية مختلفة بما فيها شخصية عجوز متشرد وجرى عرض هذه اللوحات في ساحة ضخمة، ثم قرر إعادة تصوير هذه اللوحات ليصنع منها فيلما سينمائيا البطولة المطلقة فيه لكيت بلانشيت بشخصياتها المتنوعة.
لا يوجد في الفيلم حكاية متصلة بل مشاهد منفصلة، ولا يوجد في الفيلم حوار بل تعليق وخطابات تلقيها كيت بلانشيت في مناسبات مختلفة دون ان يكون للتعليق او الخطابات صلة بالمشهد المصور، بل على العكس من ذلك يتناقض الشريط الصوتي تماما مع المشهد المصور، وكمثال على ذلك، تلقي كيت بلانشيت خطبة أثناء جنازة، وفي حين من البديهي ان تتعلق الخطبة بنوعية المناسبة وتتضمن رثاء الراحل، إلا أن كيث بلانشيت تقدم بلهجة تحريضية مجموعة نصوص من بيان الدادائيين الذي أعلنوه في بداية القرن العشرين وتشتمل على الدعوة لمحاربة الفن بالفن ورفض العقل والمنطق والخ..
وكمثال آخر، عندما تجتمع أسرة كيت بلانشيت حول مائدة الطعام فهي، بدلاً من تلاوة الصلاة، تتلو مقتطفات من بيان نشره احد الفنانين في ستينيات القرن الماضي. اما البيان الشهير الذي أعلنه مجموعة من السينمائيين الدنماركيين في العام 1995 تحت عنوان "دوغما 95" فنستمع إلى بعض فقراته أثناء حصة مدرسية للأطفال.
الجانب الصوتي الكلامي في الفيلم إذن، يتكون من تجميع عدد كبير من نصوص ببيانات لمجموعات وتنظيمات سياسية او فكرية او فنية، يستخدمها المخرج للتعبير عن أفكاره ومواقفه من الفن والحياة، وبخاصة الفن الحديث والحياة الرأسمالية المعاصرة ساخرا من الإثنين ومندداً بهما. وكان المخرج قد اعترف انه اختار هذه النصوص من ستين نص بيانات متنوعة، من بينها " البيان الشيوعي" الذي أعلنه كارل ماركس وفريدريك إنجلز في أواسط القرن التاسع عشر وبيان المجموعة السريالية في بدايات القرن العشرين.
الجانب البصري مختلف تماماً فهو يعرض مشاهد متنوعة مثل: نساء مسنات تشعلن الألعاب النارية وتمرحن وسط حقل، متشرد يصرخ واقفاً فوق سطح بناء عال، فرقة راقصة تتدرب استعداداً لإقامة استعراض، مشهد لحرق النفايات، اطفال في المدرسة، وغير ذلك الكثير.
وفي حين ان محتوى الكلام في الشريط الصوتي قد لا تكون مرجعية نصوصه معروفة للمشاهد العام وحتى للمختصين، بما قد يشكل قد يشكل للمشاهدين بعض الصعوبة في تتبع أفكار أو طروحات الفيلم، فإن الجانب البصري المشهدي من الفيلم مثير وممتع بل ومدهش في أجواءه ومادته، ويتعمق الإدهاش مع متابعة الإداء الاستثنائي لكيت بلانشيت التي تظهر كل مرة بمظهر مختلف صوتاً وصورة.
قد تتسبب الطريقة التي جرى صنع الفيلم فيها، والتي يمكن إحالتها إلى نظرية الكاتب والمخرج وصاحب النظرية الألماني بيرتولت بريخت المتعلقة بالتغريب في المسرح، نوعاً من الصدمة للمشاهدين في البداية بسبب لا معقولية ما يعرضه الفيلم، المبني من حيث الأسلوب، على التناقض الكلي ما بين الصوت والصورة، لكن ما أن تنتهي الصدمة ويتأقلم المشاهد مع غرابة ما يُعرض عليه، حتى يصبح الفيلم مفهوماً. وهذا ما راهن المخرج عليه وصرّح به في إحدى المقابلات الصحفية، حيث ذكر أن النصوص معقدة. ليس سهلاً متابعتها، ولا أمانع إذا لم يسمع المُشاهد كل كلمة تُقال.
وليس عليه ان يعرف بالضبط مَن كتب كلّ نص. يمكنه العودة والاكتشاف لاحقاً، أعتقد أن من الأفضل أن تترك الشِعر المستقبلي الذي تنتجه هذه النصوص يلقي تأثيره عليك، فالانفعال الذي تحاصرك به الصور، ينتج منه تلقٍ من نوع آخر، يختلف عن التلقي الذي يتكوّن في ظروف القراءة السياقية العادية أو عبر مطالعة كتب تاريخ الفنّ. الكثير من هذه النصوص طابعها رؤيوي. نصّ الافتتاحية مثلاً يعود إلى العام 1932، ولا يزال آنياً جداً، كذلك بالنسبة إلى ما كُتب عن الرأسمالية، تشعر كأنه كُتب الآن.
تتضمن نصوص البيانات المتنوعة في الكثير من الطروحات التي تهدف إلى هدم كل ما هو تقليدي او مزيف في الفكر والفن، وتتضمن ايضاً نقداً عنيفاً للمجتمع الرأسمالي المعاصر عبر ما ينتجه من فن وفكر وما يتضمنه من ظلم اجتماعي.