مبيضين في "شومان": شيخ الكار يوثق تحركات السوق الدمشقي وتفاعلات الناس المعيشية

29-01-2019

بين الباحث والأكاديمي د. مهند مبيضين أن كتابه "شيخ الكار.." يبحث في تفاصيل البيوت والثقافة والأسواق وتفاعلات الناس المعيشية اليومية داخل المجتمع الدمشقي، وما صاحبها من تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية على مر العصور.

جاء حديث المبيضين، خلال حفل إشهار كتابه "شيخ الكار: السلطة والسوق والناس في دمشق العثمانية"، في منتدى عبد الحميد شومان الثقافي، أمس الاثنين، وشارك فيه إلى جانبه د. سالم ساري، ود. غالب عربيات، فيما أدارت الحوار مع الجمهور مديرة مركز دراسات المرأة في الجامعة الأردنية د. عبير دبابنة، الذي لفت إلى أن شيخ الكار الدمشقي ثقة "لا يُنفذ أمر للولاة إلا بالاتفاق معه، وهو الشاهد على عصره وبطل أخبار زمانه".

وبحسبه، فإن "شيخ الكار مختص بدمشق ومجتمعها، ويتضمن مشاهدات شخصية وسجلات ودفاتر الأديرة، والوثائق الخاصة والمجاميع الفقهية، حيث أن نظرتي توسعت أكثر عن دمشق، بعد أن عشت في حوارييها من توما والحلبوني ومسبك جواني وركن الدين والقيمرية والقنوات، إلى ريفها، ثم تتبعت المخابز وحركة البيع".

وتابع "ثم تتبعت خارطة دمشق عبر قرون الزمن العثماني بتثبيت الاماكن المذكورة في الوثائق والعودة إلى الموقع الراهن للتثبت منها"، لافتا إلى أن اسواق دمشق التي ورثت عن العصرين المملوكي والعثماني ما زالت عامرة حتى اليوم، وفيها أسواق عدة مثل "الدهشة، الحرير التنابل".

وأوضح مبيضين أنه منذ القرن الثامن عشر "تغلغلت المتصوفة في الحرف حيث دعا علماؤهم إلى وقف حياة الزهد والدخول في التجارة، فأصبح شيخ الطرق الصوفية نقيباً للأشراف وشيخ مشايخ أهل الكارات ما جعله أهم من الوالي الذي لم يعد يستطيع تنفيذ أمر من دون الرجوع إليه".

شيخ الكار لا يفتح الباب أمام تاريخ مدينة دمشق فقط، بل يدخلها، بحسب المبيضين، من أبواب الاقتصاد والثقافة وتاريخ الصراع المحلي بين الأمير أمير حوران كليب الفواز السردية، وولاة دمشق نصوح باشا وحسين مكي، ولاحقاً صراع بقية الزعامات المحلية في بر الشام مع أسرة آل العظم وولاتها.

إلى ذلك، قال المؤلف "لقد شكلت زعامة الحرف الدمشقية ومشيختها، سلطة فاعلة في المجال الاقتصادي والسياسي المديني خلال العصر العثماني، وتولى مشيخة الحرف نقيب أشراف دمشق، الذي كان ينتمي لأسرة العجلاني الحسينية النسب"، مبينا في هذا السياق، أن أسرة آل عجلان استلمت منصب نقابة الأشراف ثماني مرات، منذ مطلع العصر العثماني، وهم سبقوا محمد كمال الدين - الذي نجح في انتزاع لقب شيخ مشايخ الحرف، ونافسه فيه عائلات مثل "حمزة والمرادي والحصني والكيلاني".

من جهته بين الأكاديمي د. غالب عربيات أن كتاب "شيخ الكار.." أمتاز بتنوع مصادره ومراجعه العربية والأجنبية، التي توزعت بين الوثائق التاريخية وسجلات محكمة دمشق الشرعية ودفاترها واوراقها الصادرة عن السلاطين والولاة والقضاة، إلى جانب عدد كبير من المخطوطات والمصادر العربية والثمانية المطبوعة وغير المطبوعة.

وقال عربيات أن "الكاتب اجتهد في دراساته، بأسلوب شيق وممتع، واتبع منهجا علميا راقيا، وتناول الاحداث والتطورات بتجديد موضوعي خلال العهد العثماني، وما أصابها من تطورات في الإدارة في ظل نظام اقطاعي، بالإضافة إلى التغيرات التي اصابت البنية الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية ومالات النخبة السياسية الحاكمة لمجتمع دمشق".

ورأى عربيات أن المبيضين أظهر مرونة واضحة في النصوص التي تناسب الاحداث والوقائع التي مرت على مدينة دمشق، والتي تحاكي المسكوت عنه، وتحاكي الفتاوى الدينية والسياسية، لما كان يجري بين السلطة وأهل السوق والناس ومجتمعاتهم.

وذهب إلى أن كتاب شيخ الكار امتاز بمراعاة المرحلة التي كتبه فيها، مع مراعاته أوضاع المجتمعات العربية، والتي أظهر فيها المؤلف ميله إلى الاعتدال وعدم تجميل النصوص أكثر مما تحتمل ومحاولته لاستنطاقها على الدوام.

وأوصى عربيات بتبني كتاب "شيخ الكار.."، كعمل فني درامي يؤطر ويؤصل أوضاع البلاد الشامية وجوارها خلال الحكم العثماني، إلى جانب ما تضمنه من أحداث تاريخية وتراثية واجتماعية واقتصادية مهمة.

أما أستاذ علم الاجتماع في جامعة فيلادلفيا د. سالم ساري، فرأى أن وصف كلمة دمشق في العنوان الفرعي للكتاب بوصفها دمشق العثمانية، غير مبرر، وغير مشروع، مبينا أن "الدول والمجتمعات والمدن التي وقعت تحت احتلال أو هيمنة أو سيطرة، في فترة تاريخية بائسة، لا يفقدها هويتها التاريخية الاصلية".

وقال ساري ان "هذا الكتاب التوثيقي المهم، وغيره من كتب المؤلف - خصوصا كتابه "ثقافة الترفيه والمدينة العربية في دمشق العربية"، يستطيع ان يلمس قوة العمق المعرفي، وغزارة التوثيق المنهجي، وتماسك التأطير التاريخي الاجتماعي الثقافي.

وأضاف "المؤلف من الباحثين الأكاديميين (وربما من الصحفيين) القلائل الذين يمتلكون رؤية نقدية للواقع، لا برؤية الاحداث كما هي فقط، وانما برمزيتها أيضا، بادراك دلالاتها ومعانيها، واستشراف مستقبلها وتحولاتها الفعلية والممكنة، في أزمنة متعاقبة وأمكنة مختلفة، في مجتمعه العربي".

وأوضح ساري أن الكتاب يعد بحثا مرجعيا مهما؛ لتضمنه التاريخ الثقافي لأنماط حياة مدينة مستقرة، ولمهن وحرف دمشقية، نشأت وتطورت في بيئتها المحلية، بالتفكير والتدبير، واحتفظت "بسر الصنعة"، وحافظت على قيم و"أخلاقيات المهنة"، واكتسبت الخبرة والمهارة، لتنقلها لأجيال من الصناع والحرفيين والمهنيين.

ورأى ساري أن الحياة اليومية لدمشق التاريخية لا تحضر عادة، مع المؤرخين التقليدين، قائلاً في هذا الصدد، ان " المؤلف مبيضيين، المؤرخ الأمين، والباحث المدقق، بكافة تفاصيل حياتها اليومية تاريخياً وثقافة وحضارة، تورط بحب تاريخ دمشق الشامية، حبا تاريخيا أساسا، جعله يبحث بشغف، وينقب بدأب، ويكتشف بدهشة".

ومبيضين، يعمل أستاذا للتاريخ في الجامعة الأردنية، وأستاذا زائرا في معهد الدوحة للدراسات العليا، كما يعمل كاتبا وباحثا وإعلاميا. أصدر العديد من الدراسات والتحقيقات العلمية حول تاريخ دمشق والأردن، والخطاب التاريخي والكتابة التاريخية. من مؤلفاته "أهل القلم في دمشق في النصف الأول من القرن 18"، "الفكر السياسي الإسلامي والإصلاح: التجربتان العثمانية والإيرانية"، "ثقافة الترفيه والمدينة العربية في الأزمنة الحديثة".