باحثون وأكاديميون يناقشون في "شومان" تقرير التنمية الثقافية العاشر

23-10-2018

أكد باحثون وأكاديميون أهمية ما جاء في التقرير العربي العاشر للتنمية الثقافية، خصوصًا فيما يتعلق بأنشطة البحث العلمي والتطوير التكنولوجي والابتكار وعلاقتها بالتنمية الشاملة والمُستدامة.

واعتبروا أن أبرز ما يتسم به التقرير؛ هو جمعه بين التشخيص والتحليل والاستشراف، وتركيزه على الصلة الوثيقة والروابط العضوية بين أنشطة البحث العلمي والتطوير التكنولوجي والابتكار من جهة، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهةٍ أخرى.

ونبه المشاركون إلى ضرورة تفعيل المثقف والمبدع على الساحة الثقافية داخل المنطقة العربية وخارجها، ودوره في تفعيل الحركة الثقافية.

جاء ذلك في إطار ندوة مشتركة بين مؤسسة عبد الحميد شومان ومؤسسة الفكر العربي (بيروت) لمناقشة تقرير التنمية الثقافية العاشر "الابتكار أو الاندثار: "البحث العلمي واقعه وتحدياته وآفاقه"، استضافها منتدى شومان الثقافي، أمس الاثنين، بحضور نخبة من المثقفين والباحثين والأكاديميين.

وفي كلمتها الترحيبية قالت الرئيسة التنفيذية لمؤسسة شومان فالنتينا قسيسية، "نستضيف في هذه الندوة نخبة من الباحثين الذين يناقشون ما اشتمل عليه تقرير التنمية الثقافية العاشر الذي أطلقته مؤسسة الفكر العربي هذا العام تحت عنوان "الابتكار أو الاندثار، البحث العلمي العربي: واقعه وتحدّياته وآفاقه".

أهمية التقرير تتبدى، وفق قسيسية، "من الموضوعات التي يبحثها؛ فالبحث العلمي يمثل اليوم شريانا رئيسيا لتقدم الأمم والشعوب، أما الابتكار، فهو التطبيق العملي للجهود البحثية التي تستطيع أن تتخطى التحديات المفروضة على المجتمعات، لتقلها من طور إلى طور".

وبينت أن التقرير يمثل خطوة مهمة، كونه يؤشر على كثير من الاختلالات التي يعاني منها البحث العلمي العربي، وهو ينظر بعين الأهمية إلى ضرورة الالتفات إلى الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة.

مدير عام مؤسسة الفكر العربي د. هنري العويط، بين أن التقرير يندرج في صُلب رسالة المؤسسة، وفي صميم نشاطاتها، لافتا إلى أن المؤسسة أولت منذ انطلاقتها الأولى في العام 2000، قضايا التنوير والتنمية والتطوير في العالم العربي اهتمامها البالغ.

التقرير، بحسب العويط، ركز على المردود التنموي لمنظومة البحث والابتكار، والثقافة العلمية، والنشر العلمي، كما سلط الضوء على أنشطة البحث العلمي والتكنولوجيا والابتكار وما شهدته من تطورات عميقة واكتشافات مذهلة على الصعيد العالمي.

ودعا العويط لتحويل الرؤى التي رسمها التقرير إلى سياسات، وترجمة التوصيات التي صاغها خططاً واستراتيجيات، وكذلك ضرورة رعاية البحث العلمي ودعمه وتمويله وتعزيزه وتطويره، مؤكدا أهمية الإعلاء من شأن الابتكار، باعتباره حاجة ملحة وأولوية مطلقة وضمانة المستقبل.

أما رئيس مجلس أمناء جامعة البترا د.عدنان بدران، فرأى أن التقرير جاء في طابع شمولي ومتكامل يربط مخرجات البحث العلمي بالابتكار لتوليد التكنولوجيا، بما في ذلك ربط ذلك في التنمية الشاملة المستدامة التي دعت إليها هيئة الأمم المتحدة لتحقيق أجندة تنمية العام 2030.

وطالب بدران بإعادة صناعة التعليم من خلال خطاب عربي معاصر، يؤدي إلى الفكر الخلاف والخيال والاستلهام - أي الابتكار ومهارات التفكير الناقد وبناء مهارات الذكاء والتساؤل والتحليل والاستنتاج وملكة البحث والاستقصاء والوصول إلى حلول جذرية للمشكلات التي نعاني منها، منوها إلى أن عدد الجامعات والمراكز العلمية العربية توسعت أفقيًا لتتجاوز 800 جامعة ومؤسسة علمية.

فيما اعتبر الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية د. معين حمزة أن التقرير يحمل الكثير من الأدلة الهامة، خصوصًا أن ما تمر به البلدان العربية الآن من أزمات يعود إلى فشل وقصور مُزمنين في تمثل المعرفة واستثمارها وتطويعها وإعادة إنتاجها بغية إحراز غايات التنمية الشاملة والمُستدامة.

"هل يمثل البحث العلمي أساسًا كافيًا لضمان التكامل العربي؟ لماذا لا تهتم الجامعات في الوطن العربي بإنشاء مراكز أبحاث؟"، تساؤلان رأى حمزة أن التقرير حاول الإجابة عليهما.

وبحسبه، فإن البلدان العربية تعاني من شح الدراسات والأبحاث في مضمار العلوم الاجتماعية وتطبيقاتها على أصعدة التنمية المختلفة، وهي لن تتمكن، بالتالي، من تحقيق غايات التنمية وتكريس الانسجام المجتمعي.

الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية د. عمرو سلامة، قال في مداخلته إن "التعليم حق من حقوق الإنسان، ولا ينبغي أن يحرم منه فرد لأسباب اقتصادية أو عرقية أو دينية أو جهوية؛ فالفيصل الوحيد هو قدرته على الاستمرار في تلقيه والنجاح في اجتياز متطلباته الأكاديمية المقررة".

وذهب سلامة إلى ضرورة مراجعة المقررات الدراسية بشكل دوري بحيث تواكب في محتواها التطورات الراهنة في العالم، من حيث أساليب التعليم والتدريب والتقييم والمعايير الراهنة في العالم.

لكن دعم البحث العلمي من خلال توفير التمويل اللازم له، رأى سلامة أنه من مسؤولية الدولة، إلى جانب الجهات الأخرى المستفيدة من مؤسسات المجتمع الحكومية وغير الحكومية، داعيا في هذا الصدد، إلى تحفيز المؤسسات المختلفة لتخصيص جانب من موازناتها للبحث والتطوير.

من جهتها، بينت المدير التنفيذي لمركز الإسكوا للتكنولوجيا ريم نجداوي، أن دراسة أجراها "الإسكوا" حول التنمية المستدامة العام 2015، قد لاحظت أن دعم منظومة الإبداع والابتكار وتشجع الاستثمار في البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، لا يمكن لها أن تتحقق إلا بدعم الحكومات.

ورأت أن المنطقة العربية أقل المناطق تكاملاً على جميع الأصعدة، وأن التقرير هو دعوة لتكثيف الجهود للعمل في هذه المنطقة، مبينة أن الوضع الراهن يحتاج من الحكومات العربية إعادة النظر في سياساتها.

الأكاديمي في الجامعة الأردنية، د. ضياء عرفة رأى أن التقرير تحلى بطابع التجدد والحداثية في الأفكار حول التعليم العالي، مستقبله بتقليل الجزء المعتمد على الماضي، وزيادة الجزء الخاص بتطوير الثقافات المستقبلية، والمكملة لها؛ استنادا إلى قوامها من الدراسات الاستراتيجية المبنية على استقراء الماضي، ومراجعة الحاضر، واستشراف المستقبل.

وركز التقرير، بحسب عرفة، على أبرز الأزمات التي تمر بها البلدان العربية؛ ليخلص إلى أن المعرفة هي الطريق المحتوم إلى التنمية الشاملة، وبغير الابتكار فإن المصير الحتمي هو مواجهة الاندثار.

وتحقيقًا لطريق الابتكار، أوضح عرفة أنه ينبغي اتباع نظرية التغيير، التي تشمل على مجموعة متناسقة من الأنشطة المنظمة المرتبة لإنتاج مُخرجات (أو مسارات مؤثرة) قابلة للتطوير لتتلاءم مع ما يستحق من تحولات داخلية وخارجية لإحداث تنمية مستدامة.

واختتمت الندوة مع مداخلة المدير العام لأكاديمية العالم الإسلامي للعلوم د.منيف الزعبي، الذي بين أن ضعف الابتكار في الدول العربية يتمثل في قلة عدد براءات الاختراع المسجلة مقارنة بدول مثل تركيا وماليزيا.

ووفقًا للزعبي، فإن دولا عدة في العالم نجحت خلال العقود الخمسة الأخيرة، في توظيف أدوات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي والابتكار؛ للمُساهمة في إحداث تنمية اقتصاديّة واجتماعيّة شاملة مثل اليابان، وكوريا الجنوبيّة، وماليزيا، والهند، على سبيل المثال.

يشار إلى أن التقرير جاء في خمسة فصول هي البحوث العلمية والتعليم العالي، ورافعة الابتكار والتنمية، والثقافة والتوجهات العلمية المتاحة، والابتكار والتطوير التكنولوجي: آليات بناء اقتصاد المعرفة، والبحوث في خدمة المجتمع، كما تضمن التقرير 25 ورقة بحثية امتدت على أكثر من خمسمئة صفحة.

و"الفكر العربي"؛ هي مؤسسة دولية مستقلة غير ربحية، ليس لها ارتباط بالأنظمة أو بالتوجهات الحزبية أو الطائفية. وهي مبادرة تضامنية بين الفكر والمال لتنمية الاعتزاز بثوابت الأمة ومبادئها وقيمها وأخلاقها بنهج الحرية المسؤولة. تعنى المؤسسة بمجالات المعرفة المختلفة، وتسعى لتوحيد الجهود الفكرية والثقافية وتضامن الأمة والنهوض بها والحفاظ على هويتها.