أكد أكاديميون وسياسيون على أهمية المنهج الحديث الذي آمن به د. عبد السلام المجالي في العملية التعليمية، مبينين أنه اهتم بتأهيل المعلمين في المجال التربوي.
واعتبروا في ندوة ضيف العام "عبد السلام المجالي أكاديميا وسياسياً"، التي نظمتها مؤسسة عبد الحميد شومان بمناسبة أربعين عاماً على تأسيسها، أمس، واشتملت على 4 جلسات، أن للمجالي عشقا خاصا بالمهن التي تقوم على العطاء ومحبة الناس، وهي الطب والتعليم والتمريض، وهي، بحسبهم، تتصل جميعها بالعمل الميداني.
الرئيسة التنفيذية لـ"مؤسسة شومان" فالنتينا قسيسية أكدت في كلمة القتها بافتتاح الندوة، أن المجالي انحاز للتعليم، وشجع عليه، مؤمنا أنه لا يمكن لبلد أن يتقدم بدون أن تكون فيه مدارس وجامعات، وأساتذة وطلبة، كما شجع على تعليم الفتيات في مرحلة مبكرة كذلك، وفتح أمامهن تخصصات جديدة ليبرعن بها.
وبحسبها، فإن "إرث هذا الرجل الذي دخل ميدان العمل العام في العام 1950، هو ما تبحث فيه ندوتنا التكريمية اليوم، في تبيان جهود الرجل وإسهاماته في تطوير قطاعات عديدة مثل التعليم والصحة وتعزيز دور الشباب والمرأة في المجتمع".
وعاينت الجلسة الأولى التي أدارها الدكتور أمين محمود، المجال الأكاديمي للدكتور المجالي، وتحدث فيها كل من: الأكاديمي والمؤرخ د. محمد عدنان البخيت، رئيس جامعة البحرين د. رياض حمزة، الأكاديمية والمؤرخة د. هند أبو الشعر، الأكاديمي الإماراتي د. بشير شحادة.
البخيت بين أن المجالي من الرجال الذين عندما يسأل الوطن عنهم في أيام المحن والصعاب، ينتفض شامخاً ملبيا نداءاته، لافتا إلى أن الجامعة الأردنية شهدت مرحلة اقلاع جديد على يديه من خلال تطبيقه نطام الساعات المعتمدة وتحويل الجامعة من النظام الفصلي إلى تشغيلها على مدار الفصول.
وبين أن المعلم المجالي كان يحرص على اللقاء بالطلبة في مواعيد معينة؛ عن طريق تقسيمهم إلى مجموعات يلتقي مع كل مجموعة إلى أن يتخرجوا؛ فهو بذلك، وفق البخيت، أوجد حالة وجدانية من الانتماء للجامعة.
أما حمزة فأعتبر أن المجالي ممن يؤمنون بعمق بلادهم وأوطانهم، وأن الأرض العربية لا تحدّها الحدود، ولا تفصلها التقسيمات الإدارية التي صنعتها قوى خارجية، ومضى في ما مضى فيه الأولون، وعلّم من أتى بعده ولحق به أن يشيد البناء حيثما حل، وأن تعشوشب الحقول وتخضر أينما توجهت ركائبه.
ولفت إلى أن المحتفى به أحد المدافعين بصلابة وبإيمان لا يتزحزح عن وجوب استقلال الجامعات بوصفها منارات لإنتاج المعرفة بشكل حر غير مرتبط وغير آبه بالتوجهات والتوجيهات، وهو، من أبرز رواد التحديث في العمل الجامعي.
بدورها، أضاءت أبو الشعر في ورقتها، على دور المجالي عندما كان وزيرا للتربية والتعليم، فرأت أنه أحدث على صعيد العمل الأكاديمي تغييرات جوهرية بدأت باعتبار السنة الدراسية فصلان، وقسمة الكتاب إلى جزأين، وبجعل الامتحانات تبعا لها امتحانات نصف الفصل ونهاية الفصل، بحيث توزع العلامات على 30 % لنصف الفصل و40 % لنهايته.
"روحه القيادية، وهيبته العسكرية، ومواطنته وحزمه وجرأته"، هذه الصفات وجدت أبو الشعر، أنها جعلت من شخصية المجالي حالة تستحق التقدير، كما أنه لم يرضخ للقوى السائدة قبله، وقد اتضح هذا في البعثات التي كانت أحيانا تعطى حسب معايير حزبية، وهو ما يحسب له في نزاهة إدارته للفعل التربوي.
أما شحادة فأكد خلال ورقته، أن المجالي يحرص دائما على اللقاء بأصدقاءه من الأكاديميين الأردنيين العرب الذين يعيشون في الإمارات. وقال في هذا السياق "عندما نتحدث عن المجالي فنجد أنفسنا أمام شخصية متميزة في مجالات عديدة؛ فهو الطبيب والأكاديمي والسياسي".
وأعتبر أن المجالي، قد أوجد له في الإمارات خاصة ومنطقة الخليج عامة محبين ومريدين لشخصه ولطرحه الاستراتيجي المتميز للتقدم بمسرة التعليم والحفاظ على جودته وتخريج كفاءات قادرة على تحمل مسؤولياتها والسير قدما بدولها.
الجلسة الثانية التي ادارها د. وليد الترك، وتحدث فيها كل من:" العين د. يوسف القسوس، د. نوار فريز، العين د. سوسن المجالي"، بحثت في إسهامات الضيف بمجال الخدمات الطبية. وقال القسوس إن "الحديث عن دولة د. عبد السلام المجالي، هو حديث عن شخصية أردنية وقامة من قامات الوطن وانموذجا لرجل الدولة الذي فرض نفسه ودون اسمه في الحياة السياسية والأكاديمية والعسكرية باقتدار وكفاءة".
ولفت القسوس إلى أن المجالي كان أول من استخرج نظام التأمين الصحي لأسر الضباط وأفراد الجيش العربي، كما أنه أول من قام بشراء الأرض التي تقع عليها المدينة الطبية حالياً، وهو أول طبيب يرأس الجامعة الأردنية.
ماذا يمثل الدكتور عبد السلام المجالي ليَ؟ بهذا التساؤل بدأت فريز مداخلتها، التي اعتبرت أن بمجرد الاستماع للدكتور المجالي؛ صاحب الصوت الواثق والرؤيا الواضحة والتخطيط للمستقبل، لا تملك إلا أن ترغب بالعمل معه.
وبحسبها، فإن "من تعامل مع المجالي يلمس احترامه العميق وتقديره للطبيب، خصوصا إذا أخطأ الطبيب كان يواجهه مباشرة ويدافع عن حقوقنا".
أما العين المجالي فبينت أن للمجالي إسهامات عديدة في المجال الطبي، خصوصا في قطاع التمريض، داعية إلى الاستفادة والتعلم من سيرته والاهتمام برسالته التي أسهمت على تطور المملكة منذ عقود.
وعقدت الجلسة الثالثة التي ترأسها د. مروان كمال ضمن مجال الشأن العام، واستهلت بورقة قدمها رئيس الوزراء الأسبق، د. عدنان بدران، بعنوان "عبد السلام المجالي أكاديمياً وأممياً"، تلتها ورقة المفكر ووزير القوى العاملة الأسبق في سلطنة عُمان د. جمعة آل جمعة، وكذلك ورقة وزير الإعلام الأسبق د. سمير مطاوع، واختتاما بورقة الإعلامي ومستشار ولي عهد البحرين أحمد سلامة.
بدران ذكر أن المجالي تميز بريادته ونفسه الطويل في عقد الحوارات الأسبوعية مع الطلبة، والأساتذة والعاملين في الجامعة الأردنية باستمرار يستمع إلى مشاكلهم، ويحثهم على بذل المزيد؛ فرسخ النماء والانتماء لديهم.
وبين بدران أن المجالي أسس الكليات العلمية التطبيقية في الجامعة، كما قام باستكمال الكليات الإنسانية من تربية، وشريعة، وحقوق وغيرها، وكذلك أسس عمادة البحث العلمي وعمادة الدراسات العليا ومركز الدراسات الاستراتيجية ومراكز علمية ومحطات البحث الزراعية، ومعهد القيادات الدولية التابع لجامعة الأمم المتحدة.
واعتبر أن المجالي كان رائداً ومعلماً في اليونسكو يشارك في حلقاتها الدراسية والمؤتمرات، وكانت زياراته للمنظمة لها وقعها الدافئ بين سفرائها المشاركة وبين المجموعة العربية ومجموعة الـ 77.
من جهته، بين آل جمعة أن المحتفى به سعى، بكل قدرته، إلى تنمية مهارات الحوار بين الطلاب واساتذتهم، وغرس ثقافة العمل والتشجيع على العمل التطوعي لخدمة أفراد المجتمع، وصولا إلى الحرية المسؤولة في التعبير وطرائق التفكير.
بينما وجد مطاوع أن ثمة صفة لا ينساها كل من تولى المنصب الوزاري في فريق المجالي، وهي، حرصه الشديد على المال العام؛ "كان يفاجأنا بزيارات غير متوقعة، فإذا وجد أن نور النهار كافياً في المكاتب يذهب قبل الجلوس لإطفاء المصابيح الكهربائية التي كانت تضاء بحكم العادة وليس الحاجة"، وفقا لمطاوع.
وزاد "كان من أول إرشاداته ليّ، حين تسلمت حقيبة الإعلام، وضع استراتيجية جديدة لتطوير الإعلام الأردني في العقد القادم، وأن يكون هنالك قانون جديد للصحافة والنشر وفق الأساليب الحديثة ينظم عمل الصحافة الأردنية".
لكن سلامة ذهب إلى أن المجالي ابن مؤسسة وطنية عابرة للجغرافيا، مقتحمة للخصوصيات بوعي، منفتحة على كل أخر، لافتا إلى أنه فتح الباب على مصراعيه، للمرأة كي لا تكون ظلاً لإرادة الرجل ومننه، بل صنع من كتف الرجل، منصة صعود وارتقاء كي تلامس بيديها النجوم والقمر.
واختتمت ندوة "ضيف العام" بالجلسة الرابعة التي ترأسها عقل بلتاجي، وقدم فيها رئيس الوزراء الأسبق د. عبد الرؤوف الروابدة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث د. علي فخرو، ووزير الخارجية الأسبق د. كامل أبو جابر، ونائب رئيس الوزراء الأسبق د. جواد العناني، شهاداتهم الشخصية بحق الضيف المجالي.
استهل الروابدة حديثه حول أن "المجالي من الرعيل الأول الذين حملوا هموم الوطن العربي الكبير وهموم وطنه الأردن بخاصة، وهو يتمتع بكفايات متنوعة؛ فهو يحمل شخصية مركبة تعددية، تصعب الإحاطة بها في عجالة".
وأضاف "تسيس منذ بواكير دراسته في دمشق. عربي التوجه مثل كل الأردنيين. عاش مدرسة الشهيد وصفي التل. معلم مطبوع يدخل النفس بهدوء فيسهل عليه نقل المعلومة. مستقبلي النظرة يؤمن بالاستفادة من تجارب الاخرين بعد تطوريها لحاجات وقدرته على الاستجابة".
لكن فخرو أعتقد أن كون المجالي طبيباً، قد ساعده على النظر إلى العلل المجتمعية، وخصوصاً في السياسة العربية المرتبكة دوماً، بموضوعية تمر من جمع المعلومات الى التشخيص الأولي، ثم إلى إجراء الفحوصات، ثم إلى التشخيص النهائي المعقول، ثم إلى العلاج الممكن.
واعتبر أن نظرته الأكاديمية كانت صارمة بالنسبة للمستوى، مرنة بالنسبة لإدارة وتنظيم الحياة الجامعية، كما كانت مناقشاته هادئة وموضوعية ومتعاطفة إلى أبعد الحدود مع مصالح الطلبة وحرية الأساتذة الأكاديمية واستقلالية ادارة الجامعة.
بدوره، أكد أبو جابر أن الإصلاح الأكاديمي الذي ساهم فيه المجالي، والمتمثل بانتقال الجامعة الأردنية من النظام التدريسي السنوي المصري السوري الأوروبي الى نظام الساعات المعتمدة الذي تبنته فيما بعد جميع الجامعات الأردنية وبعض الجامعات العربية كذلك؛ ساعد، بلا شك، في إثراء معارف الطالب وتوسع مداركه بالعلوم الأخرى إلى جانب تخصصه كذلك.
وبين أن دولته ترك بصمته على المجتمع الأردني، حين قام بتبني عطلة نهاية الأسبوع يومي الجمعة والسبت متتاليين على صعيد الجامعة اولاً، فالدولة والمجتمع ثانياً.
العناني، رأى أن المجالي ساهم حينما أنيط به مسؤولية قيادة عمليات السلام، بإيصالها إلى السلام الذي حفظ للأردن كرامته ووحدته بعد المصائب الكبرى التي ابتُلِي بها بعد انهيار الدينار، وتراكم الديون، وحرب الخليج الأولى ومقاطعة العرب والغرب للأردن.
واعتبر أن للمجالي لمساته الخاصة في القطاع الخاص؛ فبنى مؤسسة إعمار الكرك، وجمعية الشؤون الدولية، والجامعة الإسلامية، وجامعة الأمم المتحدة.
بدوره، أعرب الضيف المجالي في ختام الجلسات، عن عميق شكره وامتنانه لـ"مؤسسة شومان"؛ على تنظيمها لهذه الاحتفالية التكريمية، فيما سلمت المؤسسة الضيف درعا تكريما، كما كرمته جامعة البحرين.
والمجالي؛ ولد العام 1925 في الكرك، وهو سياسي أردني، شغل منصب رئيس وزراء على فترتين سنة 1993 وسنة 1997. وهو شقيق رئيس مجلس النواب الأردني الأسبق عبد الهادي المجالي. يحمل بكالوريوس (إجازة) بالطب في الجامعة السورية، وحاصل على شهادة الدكتوراه الفخرية في الجامعة الأردنية العام 2014.