حسن مدن يرصد في "شومان" سمات المشهد الثقافي في الخليج العربي
25-09-2018
اعتبر الكاتب والروائي البحريني حسن مدن أن ظاهرة "القطيعة" بين الأجيال الثقافية، وما يعتري العلاقة بينها من خصومة، ليست جديدة في التاريخ الثقافي والابداعي في بلدان منطقة الخليج.
وبحسب مدن، فإن حركة تنقلات القبائل من منطقة إلى أخرى، والنزاعات والحروب في إطار الإقليم الواسع الذي نعرفه باسم الخليج والجزيرة العربية، لم يكن من شأنها أن تحدث نقلة نوعية تطال البنى الاجتماعية المستقرة التي ظلت عصية على التفكيك، وإن طالتها تغيرات في المظهر الخارجي الذي لا يذهب عميقاً في العصب.
جاء حديث مدن، في إطار محاضرة بمنتدى عبد الحميد شومان الثقافي، أمس الاثنين، حول "الثقافة في الخليج العربي: توصيف وتحديات"، قدمه فيها للجمهور د. إبراهيم سعافين، وأوضح أنه يمكن للباحث في التاريخ السياسي للمنطقة أن يتحدث عن نشوء الدول الخليجية المستقلة بعد انتهاء عهد ما عرف بـ "الحماية" البريطانية عليها.
وأكد أن طبيعة التحولات الفكرية والسياسية التي شهدها العالم العربي في العقود القليلة الماضية أثرت على المشهد الثقافي الخليجي، حيث نشأت تعبيرات محلية للتيارات المختلفة الناشطة في حقول الثقافة والفكر والسياسة، حداثية كانت أم تقليدية.
وبشأن بواكير الحداثة الأدبية والفكرية في المنطقة، بين أنها تمتد إلى أبعد مما تعارفنا عليه بالتاريخ، مع ظهور القصيدة الحديثة والقصة القصيرة وما إليهما بين سبعينات وثمانينيات القرن العشرين وما تلاها.
ولفت في هذا السياق، إلى أن هذه البواكير تمثلت بالخطاب الإصلاحي النهضوي في فترة ما بين الحربين العالميتين وما بعدهما؛ وهو، وفق مدن، خطابا عبر بعمق عن الحاجة للتحديث المجتمعي وبناء الدولة الحديثة في المنطقة، ما أدى إلى تمكين الأجيال التالية أن تمضي أبعد مما ذهب إليه أبناء هذا الجيل من المتعلمين والمثقفين.
وبحسبه، فإن بدايات اكتشاف النفط وتصديره أدت إلى حدوث تشققات في مسار السير الرتيب لمجتمعات الخليج؛ ما أحدث هزة عميقة هددت مظاهر الثقافة الشفاهية السائدة بالاندثار قبل أن توثق أو تجمع مادتها، الأمر الذي بات يهدد المجتمع بأن يصبح مجتمعا بلا ذاكرة.
ورأى أن الانفتاح على التجارب الإبداعية العربية في العراق ولبنان ومصر وسورية وغيرها من بلدان المشرق خاصة تحقق؛ لسهولة الاتصال مع أبناء هذه البلدان عبر البعثات الدراسية والتعليمية، وسهولة وصول المطبوعات والكتب والصحف، وقدوم الكثير من المعلمين والمثقفين العرب للعمل والاستقرار في بلدان المنطقة.
في جانب أخر، قال مدن إن "طبيعة التكنوقراط في العالم كله أن يكونوا بعيدا عن الغائية، وقلما ينغمسوا في القضايا الاجتماعية أو الثقافية، فالنجاحات المهنية التي يحققونها في الحقل الذي يعملون فيه تكفيهم، ولعل هنا يكمن الفرق بين المثقف وبين تقني الثقافة، والمعيار هنا ليس الشهادات فهي لا تجعل من المرء مثقفاً مهما علا مستواها"، مؤكدا أن المثقف من يُوظف رأسماله الرمزي: أي علمه وثقافته، اجتماعيا، أما التكنوقراط فيظل أسير وضعه المهني.
وبين أن التحديات التي تواجهها الثقافة في بلدان الخليج العربي "ليست قليلة"، والتصدي لها هو أكبر من جهود أفراد، أو مؤسسات متفرقة، ويتطلب، أولاً، تشخيصاً جريئاً لها، وثانياً وضع خطط جادة ومدروسة وبعيدة المدى.
وأوضح أن هناك التباسا واضحا بين علاقة المؤسسة الثقافية الرسمية والفضاء الثقافي بالخليج، مع أن الثقافة بوصفها محل إطراء دائم من قبل الجميع حين يجري الحديث عنها، إلا أنها تتعرض للتهميش والإهمال، من خلال تعميم نماذج ثقافية تروج لقيم سطحية وللخواء الروحي وجمود المفاهيم.
وحول علاقة الحكومات في الخليج بالثقافة، بين مدن أن هذه الحكومات تنظر إلى الثقافة بوصفها صناعة ثقيلة تحتاج إلى بنية أساسية قوية، وبحاجة إلى الإنفاق بوصفها استثماراً في المستقبل، مطالبا الحكومة في الوقت ذاته، إلى تشييد البنية التحتية للعمل الثقافي من متاحف ومراكز ثقافية وصالات للعروض المسرحية، وسواها.
وقال، إن "مجتمعات الخليج، بوصفها أسواقاً مفتوحة، يمكننا من خلالها دراسة سلوك الاستهلاك والثقافة، أو نوع الوعي الذي تنتجه مجتمعات فتية، هي بالكاد، في صدد تكوين شخصيتها في أعقاب الانقلاب الاجتماعي والقيمي، تحت تأثير العوائد المالية الكبيرة واندماج هذه المنطقة في الاقتصاد العالمي بسبب استراتيجية سلعة النفط التي تنتجها".
وتابع " بعض مجتمعات الخليج لم تعبر برزخ التحولات التراكمي والطويل الذي عبرته المجتمعات الأخرى، وإنما قفزت قفزة سريعة واحدة من حالٍ إلى حال، هكذا دون مقدمات، ومنطق الأمر يقتضي القول بأنه لولا اكتشاف النفط، لكان تطور هذه المجتمعات بطيئاً، لكن النفط قلب هذا المسار رأساً على عقب، فأتى الأمر على صورة انقلاب أو زلزال".
وذهب مدن إلى أن المدينة الخليجية، من حيث هي الجسم العمراني والسكاني الأساسي لدول الخليج ما تزال غير مكتملة ومخترقة بالساحات الرملية الكبيرة، ويظهر ذلك في الازدواجية العميقة للقيم وأنساق الثقافة ومظاهر الوعي الاجتماعي، حيث تنشأ مدن حديثة، لكن خلف هذه المظاهر الجذابة والأنيقة تختفي مظاهر الكسل والركود في أشكال الوعي.
ووفقا لمدن، فإن التكنولوجيا الحديثة إذ تدخل مجتمعاً ما، فإنها لا تفعل ذلك بصورة محايدة، إنما هي تحمل معها مؤثرات مهمة تمس الوعي، وهو نفسه، الوعي المشوه الذي نشأ بالخليج؛ لأنه أعاد إنتاج بعض العناصر السلبية في ثقافة الماضي فأنتج لنا شخصية قلقة ميالة للسهولة والمظهرية والاستعلاء.
من جهته، قال الدكتور إبراهيم السعافين، خلال تقديمه للمحاضر "يعد الدكتور مدن من أبزر الكتاب والمفكرين في الوطن العربي، فهو كرس جلّ حياته بالكتابة عن مجتمعات الخليج العربي، عبر موضوعات ثقافية وتاريخية وإنسانية مختلفة".
ومدن، كاتب بحريني، مواليد العام 1956، حاصل على دكتوراه في فلسفة التاريخ الحديث والمعاصر من معهد الاستشراق. عمل منذ السبعينات في الصحافة البحرينية، كما عمل الأمين العام للمنبر التقدمي في البحرين حتى العام 2012. له مؤلفات عدة منها: "خارج السرب، ترميم الذاكرة، مزالق عالم يتغير، تنُور الكتابة، لا قمر في بغداد، وغيرها"