تقديراً لدوره كأديب ورائد من رواد العمل الروائي، التف أصدقاء وأحباء الأديب الروائي إبراهيم نصر الله حوله في احتفالية تكريمه، التي نظمتها مؤسسة عبد الحميد شومان، أمس الاثنين، حيث أدلى جمع من الأدباء والمثقفين بشهادات تحمل الكثير من معاني الحب والتقدير والامتنان، التي تليق بمشواره الإبداعي.
وجاء حفل التكريم، بمناسبة فوز الروائي إبراهيم نصر الله بالجائزة العالمية للرواية العربية عن روايته الأخيرة "حرب الكلب الثانية"، حيث شارك فيه كل من: د. وفاء الخضراء (الأردن)، د. زياد الزعبي (الأردن)، سامح خضر (فلسطين) ود. سعد البازعي (السعودية)، فيما قدمهم للجمهور د. صلاح جرار.
وقال المحتفى به إبراهيم نصر الله في هذه المناسبة، إن "هذا التكريم بمثابة جائزة أخرى أعتز بها. ومرة أخرى أتوجه بالشكر للجنة الجائزة العالمية للرواية العربية التي اختارت (حرب الكلب الثانية) بالإجماع عقب إعلان النتيجة، كما أعلن الأستاذ الدكتور إبراهيم السعافين الموجود بيننا، والذي أوجه له تحية خاصة هذا المساء".
وعن رواية "حرب الكلب الثانية"، بين نصر الله أن هذه الرواية معنيَّةً بكل ما عاناه الإنسان من إطلاق وحش التطرّف والقتل الأعمى؛ وهذا التطرف بالمناسبة، ليس مقتصرا على التنظيمات الظلامية، بل يمتدُّ إلى كثير من الأفراد والتنظيمات التي تدَّعي التسامحَ والقبولَ بحريَّة الرأي والمعتقد، وقبلَ هذا وبعدَه يمتدُّ هذا التطرّفُ إلى القوى الظالمةِ الكبرى، وكثيرٍ من الأنظمة العربية التي مارستْه بدمويةٍ وبعنفٍ شديدين، ضد مواطنيها.
ولفت إلى أن كلُّ رواية قام بكتابتها قبل هذه الرواية كانت جزءا أساسًا من هذه الرواية التي يقام الاحتفال بفوزها هذا المساء، وكلُّ تجربةٍ عاشها كانت جزءً منها.
وعن الكتابة للرواية، قال "نحن نكتب للتخلُّص من ثقل يُطبقُ علينا، ولكن ما يحدثُ أنكَ ككاتبٍ تكتشفُ حين تخرج من عمل كهذا أنكَ أضفتَ ثقلا جديدًا فوق جسدك وروحك، لأنك أدركتَ المعضلةَ، أو الكارثةَ أكثر. هذا النمطُ من الكتابة لا يُشفي كاتبَه، إنه يصيبُه بما يمكن أن أدعوه لعنةَ الوصول إلى الحقيقة؛ حقيقةِ ما يحيطُ بنا، ونعاني منه اليوم، لا كعربٍ فقط، بل ما يعاني منه الإنسانُ في أماكن كثيرة".
من جانبه، قال مدير متحف محمود درويش في فلسطين، سامح خضر "فوجئت، ربما كما فوجئ غيري، وأنا أقرأ مخطوط رواية "حرب الكلب الثانية"، الشرفة السادسة من شرفات إبراهيم نصر الله، المشروع الذي تناول فيه قضايا اجتماعية وحياتية أكثر التحاماً بالواقع بعبثيتها وسرياليتها المعقدة، وجعله موازياً لمشروع الملهاة الفلسطينية الذي كرسه للعودة إلى تاريخ القضية الفلسطينية للوقوف على أهم محطاته وتجليات كفاح الشعب الفلسطيني في مواجهة قوى الاستعمار".
وزاد خضر "ربما تنبع مفاجأة القارئ في "حرب الكلب الثانية"، من اليقين المسبق الذي منحه إبراهيم نصر الله لقرائه في أعمال سابقة سواء على مستوى اختياراته للمواضيع، وطريقة معالجة الموضوع روائياً".
وبين خضر في هذا السياق، أن إبراهيم نصر الله، يقدم لنا، صورة أخرى للمدن الفلسطينية "الطاهرة" التي جابها في "زمن الخيول البيضاء" و"قناديل ملك الجليل" وباقي روايات الملهاة الفلسطينية ليستدرج القارئ للتفكير في التحولات التي طرأت على المدن العربية لتجعلها عفنة وسوداوية المستقبل ودوستوبية النمط.
ولفت في معرض حديثه عن الروائيين، إلى أن الروائي الكبير هو الذي يلهم ويساهم في صنع روائي كل يوم، وليس فقط من يمتع جمهوره بمنتجه الأدبي، مذكرا، في هذا الصدد، بقول محمود درويش "الكاتب الكبير هو الذي يجعلني كبيراً حين أقرأ وصغيراً حين أكتب".
اما الكاتب السعودي سعد البازعي، فرأى أن إبراهيم نصر الله يعيد رسم العالم الدايستوبي الأورويلي، لكن من زاويته الخاصة، بل المتفردة، وهو يعيد التأمل في علاقة الفرد بالسلطة. ذلك التأمل يفضي إلى رؤية واقعية على الرغم من العالم الفانتازي المرعب المحيط بالناس بعد حرب الكلب الأولى.
وقال "إذا كان مما يميز العمل الأدبي تفرده فإن ذلك التفرد يظل رهينة الوعي بالتشابه، أي بالصلات التي تربط العمل بأعمال أخرى تقبل المقارنة معه ويمكن من خلالها اكتشاف تفرد ذلك العمل".
وأشار إلى أن هناك مسألة رئيسة في الرواية هي مسألة السلطة أو الهيمنة، وهي، وفق البازعي، حاضرة بقوة في الثقافة المعاصرة سواء تجلت في الأدب أو في أعمال المفكرين والنقاد.
أما الأكاديمي الدكتور زياد الزعبي، استفتح حديثه ممازحاً الجمهور، بالقول إن "حرب الكلب ادخلتنا في زمن الكلب"، لكنه اعتبر أن إبراهيم نصر الله يحاول في شعره ورواياته وكتاباته ان يخلق حوارا عميقاً ينهض، على وعي حاد للتجارب المعيشة ويستند على خلفية فكرية معرفية وقدرات وأدوات متفوقة تحيل هذا الواقع فنا جميلا جذابا، تميزه عن غيره.
كما اعتبر الزعبي أن رواية إبراهيم الأولى "براري الحمى"، هي من وضعت نصر الله على طريق الابداع الروائي غير العادي، والذي مكنه بعد سنوات، إلى أن يبدع في كتابة رواية حرب الكلب الثانية.
ولفت إلى أن تجربة نصر الله في الثقافة الإنسانية، تشكلت بدءً من وعي الذات الثقافية وإعادة بناءها، وانتهاءً بمحاورتها تأملا وتفكراً.
وقال الزعبي، موجهاً حديثه لنصر الله إن "بين براري الحمى الصادرة في العام 1985 وحرب الكلب الصادرة 2016 أزيد من ثلاثين عاماً، ولكنك في هذه السنوات الطوال لم تكرر نفسك ولم تقع في النمطية، لقد انتقلت من روائي جميل، إلى روائي أجمل.
وأوضح أن بين روايتي "براري الحمى وشرفات الهذيان"، نجد خيطاً رفيعاً، ولكن كل من هذه الروايات تشكل نسق فكريا خاصا بها، يخرجها إبراهيم، من عقال النمطية ليضعها في صورة ابداع مستقل جميل.
بدورها، رأت الدكتور وفاء الخضراء أن أهم ما يميز نصوص الروائي ابراهيم نصر الله، اتسامها بالسهولة والمرونة، وفيها ما فيها من الاصالة الفولكلورية.
واعتبرت ان الروائي استطاع خلال رواياته ان يبني وعي الناس بالقضية الفلسطينية والتاريخ والفولكلور، كما استطاع كذلك ان يعيد من خلال كتاباته أحد اشكال المقاومة ضد الاحتلال.
ورأت الخضراء أن إبراهيم استطاع ان يجرد النص الادبي من محدوديته السياسية، وهذا التجرد، بحسب الخضراء، واضحا وضوح الشمس بداخل اعماله الروائية، لافتة إلى انه استطاع كذلك، ان يتجاوز تأنيب الضمير، كما استطاع ان ينبي علاقة مهمة مع الوطن والجذور والهوية.
وعن تجربة الخضراء مع رواية حرب الكلب الثانية، قالت "دخلت في ثورة فكرية وذهنية وعاطفية، وكيف لا أكون كذلك ولدى إبراهيم القدرة العالية على إعطاء القارئ الحكمة والنضج في التعامل مع النص الروائي".
وعقب انتهاء الحفل التكريمي، سلمت الرئيسة التنفيذية لمؤسسة عبد الحميد شومان فالنتينا قسيسية، المحتفى به إبراهيم نصر الله درعا تكريماً، ثم قام الأخير بتوقيع عدد من رواياته للحضور.
يشار إلى أن إبراهيم نصر الله، ولد في عمان العام 1954، وهو شاعر وروائي ترك حضوراً أدبيّا لامعاً بين الأوساط الأدبية والثقافية. تفرّغ بشكل تام لمشروعه الكتابي منذ العام 2006، وتناولت اعماله مجالات عديدة ومختلفة من الشعر الرواية وكتب للأطفال.