عند الربط بين مفهوم العام والقراءة عادة ما نذهب بتفكيرنا الى المكتبات العامة، ولكن الربط بين القراءة والفضاء العام لا يتمثل فقط بالمكان الفعلي. مثلاً عند التفكير بالفضاء العام من منطلق جعل القارىء قادراً على التشارك الاجتماعي والخوض في نقاشات، يصبح ربط مفهوم العام وفعل القراءة أوسع بكثير من مجرد تهيئة المساحة الفعلية بل يصبح الأهم هو خلق فضاء عام للتشارك الاجتماعي عن طريق القراءة.
في هذا المقال أود التحدث عن كيفية استخدام النصوص كتكتيك لخلق هذا الفضاء سواء كان الفضاء الفعلي أو الافتراضي.
القراءة الفردية أم الجماعية؟
قد تبدو القراءة تجربة منعزلة، ولا غنى عن القراءة الفردية بأي حالٍ من الأحوال، ولكن الحقيقة أن هناك أيضاً العديد من الطرق لمشاركة نصٍ جيد ومناقشته كمجموعة فإن فوائد القراءة مع الآخرين غير متوقعة وقد تسبب الإدمان! إن تحويل تجربة القراءة الفردية إلى تجربة جماعية من خلال تصميم لقاءات للأشخاص ترتكز على النصوص هو تكتيك، ليس فقط من أجل التشجيع على القراءة، وإنما إعطاء الأشخاص الفرصة للنقاش في فضاء آمن والغوص في مواضيع تهمهم والتي قد يبدو النقاش فيها مستحيلاً بشكل علني. إن استخدام النصوص كأساس لهذه الجلسات يقوم بإنشاء رابط بين النصوص وقصص الناس وتجاربهم الحياتية، كما ويمكن أن تخرج قصة جديدة لإظهار منظور مختلف للأفكار البشرية.
تعتمد المساحة الاجتماعية في هذه الحالة على فعل القراءة الذي يعتبر عادةً نشاطًا فردياً وانسحابا للقارىء من القيود العائلية والمجتمعية، أو حتى القيود في العمل. لكن عند جعل القراءة نشاطا جماعيا تصبح القراءة فعل انخراط وليس انسحابا، كما يصبح مفهوم القراءة كعمل جماعي مبني على منهجية قائمة على الفن ويعطي مفهوماً أدائياً لفعل القراءة، فينتقل من كونه مرتبطاً بالعزلة والشعور بالراحة إلى كونه عمل فني أدائي يحمل رسالة مجتمعية يمكن إيصالها بفعل القراءة الجماعية؛ ابتداءً من اختلاف نبرة الصوت لكل شخص وكيفية عكس فهم الشخص الخاص للنص وحتى الخوض بنقاشات تسمح للأشخاص من خلالها المشاركة بشكل كامل والتعبير عن حقهم في التحدث علناً.
النصوص كتكتيكات
في كتاب القراءة كعمل جماعي لنيكولاس فوكس يخبرنا الكاتب في الجزء الأول عن كيفية استعادة الشعر لحقوق الإنسان عن طريق استخدام النص الشعري كتكتيك لاظهار الترابط المجتمعي بين الناس. يبدأ النص بوصف الوضع في الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر حيث كان الناس في تلك الفترة في حالة صدمة بعد كل ما حدث. ازداد معدل العنف وتعرض الكثير من الناس للتمييز بسبب لون بشرتهم أو أصولهم، والأهم من ذلك كان الناس يخشون التحدث والتعبير عن آرائهم بحرية. هذا هو المكان الذي استخدم فيه القراء النصوص، خصوصاً الشعر، كتكتيك للتعبيرعن آرائهم فيما يتعلق بهذا الموقف، وقاموا بنشر النصوص الشعرية عبر جميع أنواع المنصات، بما في ذلك الأماكن العامة والفضاءات الإلكترونية في جميع أنحاء البلاد. تم تضمين ذلك في رسائل البريد الإلكتروني، وعلى الأرصفة وكجزء من النصب التذكارية. كانت القصائد جزءًا من تنشيط الاعتراف وجزءًا من خلق الانتماء الاجتماعي.
جميع القصائد التي استخدمت في ذلك الوقت تحدثت بشكل غير مباشر عن العبء الثقيل الذي يمر به الإنسان في مثل هذه الظروف وسمحت لهم هذه الكلمات بالتفكير في مستقبلهم وعلى أنهم في النهاية سيكونون قادرين على التحدث عما حصل. القصيدة الأولى التي ذكروها في النص هي “This is the hour of lead” لإميلي ديكنسون، في هذه القصيدة تصف ديكنسون هذه الفترة عندما نشعر بالثقل من كل شيء حولنا وقد نشعر وكأننا شخص متجمد فقد الإحساس ولكن في النهاية نتمكن من إعادة تذكر أنفسنا والوقوف مرة أخرى.
إن استخدام النصوص كتكتيك يعد جسرًا لمناقشة مواضيع مختلفة في المجتمع بشكل علني وهو حق من حقوقنا حيث أن حقنا في المدينة التي نعيش فيها لا يكمن فقط بحقنا في تصميم المدينة ولكن أيضاً حقنا في تغيير أنفسنا ويكون لهذا التغيير تأثير على إعادة تشكيل المدن التي نعيش فيها من خلال إعطائنا الحرية الازمة لمناقشة آرائنا، آمالنا ومخاوفنا. ومن خلال إشراك الناس في المدينة للانضمام إلى جلسة قراءة جماعية وإعطائهم الفرصة للتعبير بحرية في فضاء من التشارك الاجتماعي نبدأ في بناء هذا الجسر والبعد عن الخوف الذي يلاحقنا دائماً، سواءً للتحدث بحرية عن مواضيع تهمنا جميعاً أو مشاركة القصص الشخصية التي يقف المجتمع عائقاً أمامنا للتعبير عنها في معظم الأوقات.
Bibliography
Harvey, D. (2019). The right to the city. In Harvey, D. Rebel cities: From the right to the city to the Urban Revolution (pp. 3–25). London, New York: Verso.
Fox, N. H. (2017). Reading as collective action: Texts as Tactics. The University of Iowa Press.