يشهد العالم تطورا هائلا في مجال الذكاء الاصطناعي وما أحدثه من تغيرات تقنية مذهلة فيما يعرف باسم "الثورة الصناعية الرابعة".
تعريفات الذكاء الاصطناعي تعددت، إلا أنه يمكن حصرها في أربعة أنواع من التعريفات، كما هو موضح بالشكل 1. وتشير الأعمدة إلى إمكانية بناء أنظمة تشبه الإنسان أو أنظمة عقلانية. والمقصود بالعقلانية ألا تخطئ هذه الأنظمة. وتشير الصفوف إلى إمكانية بناء أنظمة تفكر أو تتصرف.
إلا أننا نميل إلى رأي (آلان تيورنغ) والذي يُنظر إليه على أنه «أبو علوم الحاسب»، حيث يرى أن الهدف الأسمى للآلات أن تتصرف مثل الإنسان، كما جاء في بحثه الرائد والمعنون بعنوان «هل تفكر الآلات؟».
وابتكر (تيورنغ) ما بات يعرف باسم (آلة تيورنغ)، الموضحة في شكل 2. وهذه الآلة هي جهاز محدود، يقوم بعمليات على شريط ورقي مقسم إلى مربعات بنفس الحجم. وفي أي وقت، يكون كل مربع من الشريط إما فارغًا (Blank) أو يحتوي على رمز من الأبجدية (قائمة محدودة من الرموز s1 ، s2 ... ، sn). وتحتوي الآلة على مكان القراءة الذي يقرأ مربعًا واحدًا من الشريط. وهذه الآلة قادرة على تنفيذ ثلاثة أنواع من العمليات البسيطة: استبدال الرمز في المربع الذي يتم مسحه ضوئيًا برمز آخر من الأبجدية، وتحريك مكان القراءة مربعًا واحدًا إلى اليسار أو إلى اليمين.

ويعد (جون مكارثي) الملقب بأبي الذكاء الاصطناعي، أول من استخدم مصطلح الذكاء الاصطناعي في عام 1956. ويميز (هربرت سيمون) بين طريقتين يتبعهما الإنسان والآلات في حل المشاكل ألا وهما الخوارزميات والحدسيات. أما الخوارزميات (Algorithms) فهي إجراءات لحل المشاكل تضمن الوصول لحل إذا تم اتباعها بدقة. ومن أشهر الأمثلة على الخوارزميات عند البحث عن معلومة ما في كتاب ما فيمكن إجراء فحص تسلسلي لكل صفحة في الكتاب، سيجد الباحث في النهاية المعلومة المطلوبة، ولكن من المرجح أن يستهلك النهج قدرًا كبيرًا من الوقت. وبالتالي، فإن الخوارزميات على الرغم من أنها من المؤكد أن تنجح، غالبًا ما تكون بطيئة جدا. أما الحدسيات (Heuristics) أو الطرق الاستكشافية فهي إجراءات غير رسمية وبديهية تؤدي إلى حل في بعض الحالات ولكن ليس في حالات أخرى. وفي مثال البحث عن معلومة في كتاب فإذا كان لدى الباحث فكرة عن مكان البحث عن المعلومة في الكتاب، فيمكن توفير قدر كبير من الوقت من خلال البحث عن طريق الاستكشاف بدلاً من الخوارزميات.
ويمكن ربط الذكاء الاصطناعي في سياق الثورات الصناعية، ويوضح شكل 3 الثورات الصناعية وأبرز التقنيات التي تعتمد عليها.
كان التسلسل الزمني للثورات الصناعية على النحو التالي. يعود تاريخ الثورة الصناعية الأولى إلى حوالي عام 1760 ، على أساس الميكنة التي تعمل بالبخار. أما الثورة الصناعية الثانية فيعود تاريخها إلى حوالي عام 1870 ، استنادًا إلى كهربة الآلات المتطورة. ويعود تاريخ الثورة الصناعية الثالثة إلى حوالي عام 1970 ، على أساس الأتمتة باستخدام أجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات. أما الثورة الصناعية الرابعة فهي الثورة المعاصرة التي تتميز بذكاء الآلات ضمن حزمة من التقنيات مثل الروبوتات ، وإنترنت الأشياء (Internet of things)، والمركبات ذاتية القيادة، وسلاسل الكتلة (blockchain)، وتقانة النانو، والحوسبة الكمومية (Quantum computing)، والتقانة الحيوية، والطباعة ثلاثية الأبعاد. أما الثورة الصناعية الخامسة فهي الثورة الصناعية المرتقبة التي يجب أن تركز على العمل المشترك بين الإنسان والروبوت.
تتمتع الروبوتات الحديثة ببعض الميزات: شفافية المعلومات، والمحاكاة الافتراضية، واللامركزية في اتخاذ القرارات. ومع ذلك ، تختلف الكوبوتات (cobots) عن الروبوتات الصناعية في أن الكوبوتات آمنة إلى أقصى حد. ويتم تجهيز الكوبوتات بأجهزة استشعار تمكنهم من الشعور عندما يقترب العامل البشري. كما أن الكوبوتات خفيفة الوزن ويمكن أن تتحرك في مساحات العمل.
يوضح شكل 4 سيناريوهات العمل المشترك بين العامل والروبوت. في سيناريو الخلية يتم الاحتفاظ بالروبوت في قفص، دون أي تفاعل مع العاملين من البشر. وفي سيناريو التعايش يتعايش الروبوت مع العاملين من البشر لكن لا يشترك في مساحة العمل. وفي السيناريو المتزامن يتناوب الروبوت والعامل البشري على المكون أو المنتج، على الرغم من أنهما يشتركان في مساحة عمل. أما في سيناريو التعاون لا يعمل الروبوت والعامل البشري في نفس الوقت على نفس المكون أو المنتج، ومع ذلك من المحتمل أن يكون لديهم مهام في نفس الوقت في مساحة العمل المشتركة. وأخيرا في سيناريو المشاركة يعملون في نفس الوقت على نفس المكون أو المنتج.
وهناك العديد من القضايا في دمج الروبوتات في أي منظمة مثل التغييرات في أخلاقيات العمل، والتغيرات في سلوك المنظمة، والخصوصية في أماكن العمل، ومقاومة قبول الروبوتات. وهناك المزيد من القضايا المتعلقة بالعمل المشترك مع الروبوتات مثل القضايا القانونية والنفسية، والتغييرات في أقسام الموارد البشرية، وظهور أقسام الروبوت.
وعند ربط الذكاء الاصطناعي في سياق الثورات الصناعية تتجلى ظاهرة اللاضية الجديدة (neo-Luddism)، واللاضية هي حركة اجتماعية قام بها عمال النسيج البريطانيون الغاضبون من تهديد الآلات لوظائفهم في أوائل القرن التاسع عشر فقاموا بتحطيم الآلات. ويمكن تتبع رمزية هذه الحركة عبر التاريخ مع كل ثورة صناعية وما يلازمها من رفض البعض للتقنيات الحديثة.