في 1850، نشر الفيلسوف الأميركي رالف والدو إمرسن مقالة بعنوان (( رجال نموذجيون )) ضمن فيها ستة رجال وهم : غوته المؤلف، وأفلاطون الفيلسوف، وسويدنبرغ المتصوف، ودي مونتين المتشكك، وشيكسبير الشاعر، ونابليون رجل العالم. وسنتناول غوته لإدراكه بحتمية أن يصبح الأدب عالمي الطابع خلال محادثات أجراها مع يوهان بيتر إيكرمان. اشتهر إيكرمان من خلال المحادثات التي تناولها مع غوته خلال عمله كمساعد شخصي له، فقد كان بحاجة شديدة إلى عمل يقيه من الفقر المدفع الذي غرق به، وقد أختص بالقانون بشكل أساسي ولكنه انسحب منه لاحقاً عندما قام بالأنكباب على أعمال غوته عندما نصحه صديقه به ثم قام بعمل مخطوطة بعنوان (( تأملات في الشعر، مع دراسة خاصة لأعمال غوته )) حتى انه أرسله لغوته نفسه. كان غوته في ذلك الوقت في الثالثة والسبعين من عمره في أوج شهرته محاطاً في دوقية فايمر في شرق ألمانيا بجماعة من الأدباء والمعجبين.
بعد أن بعث إيكرمان المخطوطة بيوم انطلق في رحلته، لم يستطع السفر بعربته لأنه مفلس، فاضطر إلى أن يفعل ما اعتاد على فعله: قرر السير، قام بإرسال رسالة قصيرة لغوته فور وصوله إلى فايمر، فتلقى دعوة للزيارة. وقد دخل منزله الذي كان أقرب إلى متحف للفنون من كونه منزلاً عادياً. قاد الخادم إيكرمان إلى غوته حتى تركه بحضرة غوته شخصياً، قال غوته له أنه أمضى الصباح بطوله عاكفاً على قراءة مخطوطته وأنه سوف يساعده على نشرها، وتمنى أن يمضي إيكرمان في فايمر بعض الوقت. كان يبحث إيكرمان عن عمل، وقد احتاج غوته إلى مساعد شخصي، فتولى مهام هذا المنصب على الفور.
أخذ إيكرمان يدون محادثاته مع غوته، وكان يريد في بادئ الأمر إنعاش ذاكرته، ولكن السبب الأقوى هو إدراكه لقيمة هذه المحادثات فيما بعد
" نحن نعلم- بفضل إيكرمان – أنه في عصر الحادي والثلاثين من يناير عام 1827، وكان يوم أربعاء، ولدت رؤية جديدة في الأدب في بلدة فايمر الصغيرة، رؤية ما زالت سائدة حتى يومنا الحاضر. في ذلك الأربعاء لم يكن إيكرمان قد التقى بأستاذه منذ أيام، فكان غوته يكتم الكثير من الأفكار والتأملات خلال غيابه، ولم يسعه إلا أن يسهب في الحديث بكل ما في جعبته حينما كان اللقاء، راوياً ما فعله وما قرأه منذ آخر مرة اجتمعا. قال إنه كان يقرأ رواية صينية. تعجب إيكرمان: (( أحقاً؟ لا بد أنها كانت تجربة غريبة!)). ولكن لم يكن هذا رد الفعل الملائم. بعد أكثر من أربع سنوات قضاها إيكرمان في خدمة غوته لم يفهم بعد أستاذه فهماً تاماً. عاتبه غوته : (( كلا، لا غرابة في الأمر البتة ))، ثم شرع يلقي محاضرة."
ردة فعل إيكرمان توضح كيف يمثل ارتباط المثقف والكاتب في حيز مكاني أدبي ضيق يمثل منطقته الجغرافية و يتصور الحضارات الأخرى كغابة مُظلمة مجهولة قاعدة سائدة، فقد رأى ان العمل الصيني الذي قرأه غوته هو حالة استثنائية تفوق فيه أخلاقياً على أعمال شعراء أوروبيين أخريين. وقد اجاب غوته بحزم : (( لا شيء أبعد عن الحقيقة مما قلتَ. لدى الصينيين آلاف الروايات، منذ كان أجدادنا يعيشون في الأشجار )). ثم قال غوته ما سوف يهز قناعات إيكرمان : (( اقترب عصر الأدب العالمي، ومن واجبنا جميعاً المساهمة في تعجيل وصوله )).
كان سفر غوته إلى صقلية من أحد الأسباب التي وسعت عالمه الأدبي، وفي العصر الحالي أصبحت صفة العالمية بسبب الاتصال الذي فرضته العولمة والتكنولوجيا جزءا من الكيان الذي يتسم به عالم اليوم، وأصبحت عملية الكتابة أبسط وأسرع انتشاراً من أي وقت مضى، ما أدى إلى وجود توابع إيجابية للكتاب المستقلين ورفع مستوى الدخل من مهنة الكتابة، وهذا ما لم يكن موجوداً في السابق. وأدى إلى وجود تضارب عن قيمة الأعمال الأدبية التي يتم كتابتها، بين ما يُكتب لغاية الربح ويصبح المضمون موضع تساؤل، وبين الكتابة ذات المضمون والعمق. ورفع أيضاً تساؤلات حول الأعمال المحلية ومتى تصبح ذات طابع عالمي، والشروط التي يجب إكمالها.