الفيلم الروائي "الفتاة" (2012) هو ثاني فيلم من إخراج المخرج ديفيد رايكر، وهو كاتب سيناريو الفيلم. الشخصية المحورية في فيلم "الفتاة" هي المرأة المطلقة آشلي (الممثلة الأسترالية أبي كورنيش) التي تعيش في ولاية تكساس، وتنتزع حكومة الولاية منها حق الوصاية على طفلها ابن الخامسة وتضعه في منزل للرعاية بسبب إهمالها له أثناء قيادة سيارتها. آشلي تعمل في متجر كبير وتعيش في سكن متواضع وتواجه مصاعب كثيرة في حياتها، وهي إنسانة حزينة وغاضبة وفقيرة وتلوم فقرها على حياتها البائسة وتلوم الآخرين على الظلم الذي يحيق بها. تكتشف آشلي خلال رحلة ترافق فيها والدها تومي (الممثل ويل باتون) الذي يعمل سائقا لشاحنة عبر الحدود الأميركية – المكسيكية أنه يعمل على زيادة دخله عن طريق تهريب المهاجرين غير الشرعيين من المكسيك إلى الولايات المتحدة. وتقرر آشلي أن تفعل ما يفعله والدها بتهريب المهاجرين المكسيكيين غير الشرعيين لزيادة دخلها المتواضع، إلا أنها تفشل في محاولتها الأولى نتيجة إهمالها وجهلها بأمور تهريب المهاجرين غير الشرعيين، وتجد نفسها فجأة مسؤولة عن الطفلة المكسيكية روزا (الممثلة الطفلة ماريتزا سانتياجو هيرنانديز) التي انفصلت عن والدتها. وتفكر آشلي بادىء الأمر بترك روزا في أي مكان للتخلص منها، وهو ما ينصحها والدها بأن تفعله وبأن تفكر بنفسها وبمصلحتها أولا، إلا أن آشلي تقرر العودة بالطفلة إلى المكسيك للبحث عن والدتها، ومع مرور الوقت ترتبط بها وتتحول علاقتها مع الطفلة إلى واجب وشعور بتحمل مسؤولية تلك الطفلة.
تتعرض شخصية آشلي لتحول كامل، حيث تتحمل مسؤولية أعمالها ومسؤولية حماية شخص آخر، ربما لأول مرة في حياتها، وتعترف لنفسها وللطفلة روزا بالأسباب التي جعلتها تفقد حق الوصاية على ابنها، وتقول إنها لم تكن تعتني بطفلها كما ينبغي لأم أن تفعل. وبذلك تحولت هذه المرأة إلى إنسانة ناضجة ومسؤولة نتيجة اعترافها بأخطائها، وبأخذ حاجات الآخرين بالاعتبار قبل حاجاتها. وتجسد آشلي في بداية قصة الفيلم شخصية غير سوية، ولكنها تنقل المشاهدين معها في رحلة تتغير خلالها شخصيتها وقيمها.
يعرض المخرج ديفيد رايكر في فيلم "الفتاة" المشهد الثقافي على جانبي الحدود الأميركية – المكسيكية، ويتناول خلال أحداث قصة الفيلم قضايا متعددة، ومنها التفرقة العنصرية والنظرة الفوقية التي ينظرها بعض الأميركيين نحو جيرانهم المكسيكيين، والتي تقدم بطلة القصة آشلي ووالدها نماذج لها. وتؤكد قصة الفيلم بهذا الصدد أن على الإنسان أن ينسى لون بشرته أو مكان مولده، بل عليه أن يهتم بتصرفاته وأفعاله نحو الآخرين لكي يحل التفاهم والوئام بين الناس. ويتميز فيلم "الفتاة" بقوة إخراجه وببراعة التصوير، كما يتميز بقوة أداء أبطاله الثلاثة أبي كورنيش في دور أم الطفل وويل باتون في دور والدها والممثلة الطفلة ماريتزا سانتياجو هيرنانديز في دور الطفلة روزا.
عرض فيلم "الفتاة" في أربعة مهرجانات سينمائية، وفاز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان سان أنتونيو ورشح لجائزة أفضل فيلم روائي في مهرجان ترايبيكا. وأنتج هذا الفيلم بميزانية صغيرة، كونه من الأفلام الأميركية المستقلة.