يقدم فيلم " رحلة الأمل " ( الحائز على جائزة الأوسكار لأحسن فيلم أجنبي 1990) ، قصة مبنية على وقائع حقيقية يتكرر حدوثها عشرات الآلاف من المرات كل عام في أوروبا ، وهي قصة الناس الفقراء الذين يهاجرون من دول الجنوب إلى الدول الأوروبية شمالا بحثا عن فرص عمل وعن حياة أفضل . الفيلم يعرض مترجما للعربية.
تتمحور القصة في هذه الحالة حول مزارع كردي فقير يدعى حيدر يعيش مع زوجته وأبنائه السبعة حياة مستورة في قرية تركية ، ولكنه يحلم بأن يوفر لأسرته حياة أفضل , وهو يتلقى ذات يوم بطاقة بريد من ابن عم له هاجر إلى سويسرا يتحدث فيها عن حياة النعيم التي يحياها فيها وعن الفردوس الموجود في انتظار ابن عمه في سويسرا ( نكتشف في ما بعد أن ابن العم محجوز في سويسرا في مخيم للمهاجرين ) . ويقرر المزارع اللحاق بابن عمه و الهجرة إلى سويسرا بحثا عن الفردوس رغم اعتراضات كل من حوله . ولتحقيق ذلك يقوم ببيع ماشيته وأرضه للحصول على المال الضروري لشراء جوازي سفر مزورين له ولزوجته ( على أن يبقى الأبناء في رعاية جدهم ) ، ولدفع المبالغ اللازمة للمهربين الذين سيساعدونه في الوصول إلى سويسرا .
وينجح حيدر بصعوبة في إقناع زوجته مريم المترددة والأكثر منه تعقلا وحكمة في أن ترافقه في رحلته ، لعلها تكسب هي الأخرى بعض المال عن طريق العمل في معمل للشوكولاته . ولكن الزوجة تفشل في إقناعه باصطحاب الأبناء والبنات معهما ولكنها بالمقابل تفرض عليه في اللحظات الأخيرة اصطحاب الابن الأصغر الشديد الحيوية والذكاء ، إذ قد تتاح له الفرصة لتلقي العلم في سويسرا . ويسافر الابن الأصغر معهما بدون وجواز سفر ، فيما يبقى الآخرون مع جديهما ، على أن يتبعونهما في وقت لاحق بعد ان يبدأ المال في التدفق بين أيديهما في الفردوس المنشود سويسرا .
ويتابع المخرج سافيير كولير رحلة حيدر وزوجته وابنه بكل تفاصيلها التي بدأت بتهريبهم من تركيا عبر حاوية للبضائع في إحدى السفن مرورا باستخدام جميع وسائل النقل البحري والبري ، من السكك الحديدية إلى سفن الشحن والسيارات والشاحنات للوصول إلى إيطاليا ومن ثم إلى سويسرا . ويهم يلتقون في كل محطة يتوقفون فيها بمهربين من الأتراك مستعدين لتوفير المساعدة لهم مقابل ابتزاز الأموال منهم . وهكذا ففي كل خطوة يخطونها في هذه الرحلة الشاقة يفقدون جزءا من مالهم لدفع نفقات شراء تذاكر ودفع الرشاوى والعمولات بالإضافة إلى ما يتعرضون له من خسائر مالية نتيجة أعمال النصب والاحتيال التي يواجهونها أينما يحلون .
يتميز النصف الثاني من الفيلم بوجود مشاهد قوية مؤثرة لا تنسى ، ومنها مشهد الانتظار الطويل والقلق لأفراد الأسرة الثلاثة أثناء ليلة شديدة البرودة في محطة قطار خالية من الناس في إحدى المدن الإيطالية بعد أن تركوا وثائقهم لدى المهربين شاعرين بعجزهم و بغربتهم في هذه البلاد الغريبة . أقوى مشاهد الفيلم وأكثرها إثارة هي عندما وجد أفراد الأسرة الثلاثة أنفسهم مع غيرهم أمثالهم من المهاجرين الأكراد الأتراك في نهاية المطاف على سفوح جبال الألب ، حيث يتعين عليهم العبور سرا إلى الجنة السويسرية مشيا على الأقدام في أسوأ الأحوال الجوية وسط عاصفة ثلجية وحيدين بدون الدليل الذي تخلى عنهم في آخر لحظة بسب خطورة الطريق فمات مقتولا على يد أحد أفراد عصابة التهريب الذين لاذوا بعد ذلك بالفرار. وخلال عملية التسلق والتسلل المضنية وسط العاصفة الثلجية تتحقق أسوأ مخاوف الزوجة حيت تتأكد من الخطأ الذي ارتكبه زوجها بعد ان خسرا الأمل و كل شيْ ، بما في ذلك حياة طفلهما الذي مات متجمدا من البرد ، في حين وقع الجميع في قبضة حرس الحدود . وهكذا تحولت رحلة الأمل إلى رحلة يأس .
يبرع المخرج في " رحلة الأمل " في تصوير مأساة أولئك الأشخاص الذين يعيشون حياة خوف وذعر وعدم طمأنينة. ومع أنهم يتضامنون فيما بينهم إلا أنهم يبقون عرضة لأسوأ أنواع الناس الذين يعملون كعصابة دولية و الذين يستغلونهم دون رحمة. وهم يفتقرون إلى المال ويجهلون لغات الدول التي يمرون بها ويعانون من استغلال المهربين الجشعين ليتعرضوا أخيرا إلى قوانين الهجرة الصارمة أن تمكنوا من الوصول .
وينجح الفيلم في تجسيد مشكلات اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين وهي من القضايا السياسية الراهنة في العالم ، من خلال معالجة درامية بارعة وسرد مؤثر. إلا أن المستغرب في نهاية الفيلم هو إن" رحلة الأمل" يقدم صورة إنسانية نبيلة للسويسريين ، بما فيهم حرس الحدود ، تجاه زوارهم غير الشرعيين حيث يتعاطفون معهم ويقدمون لهم كل مساعدة ممكنة بعد القبض عليهم، وذلك خلافا لبعض الأفلام الأخرى التي قدمت صورة واقعية وأكثر صدقا لقسوة الأوروبيين ونظرتهم العنصرية نحو المهاجرين الأجانب بشكل عام .
يتميز الفيلم بقوة إخراجه وبقوة أداء ممثليه الرئيسيين وبخاصة الممثل نجم الدين كوبانجولو في دور الأب ( بطل الفيلم التركي المتميز " يول " ) ونور شورير في دور الأم وأمين سيفاس في دور الطفل . كما يتميز ببراعة التصوير ، ولهذا فاز الفيلم بجائزة الأوسكار لأحسن فيلم أجنبي عام 1990.