يعتبر فيلم (وقت اللعب) للمخرج الفرنسي جاك تاتي الأكثر جرأة في مسيرة هذا المبدع السينمائي الفرنسي الذي كان يمارس التمثيل الى جوار الإخراج.
بدأ تصوير فيلم (وقت اللعب) العام 1964 وعرض بعد ثلاث سنوات، وفيه يؤدي تاتي شخصية مسيو هولو التي سبق له وأن قدمها في سائر أفلامه، وفيها يظهر بشكل ثانوي بموازاة باقي ادوار الفيلم الرئيسية بالفيلم.
على غرار أفلامه المعهودة يعمل تاتي على توظيف جماليات التصاميم الهندسية الحديثة المبتكرة من مكونات المواد المعمارية والاختراعات الحديثة ذات العلامات التجارية، بألوان من كوميديا المواقف الآتية من عدسة كاميرا خفية مدعمة بالمؤثرات الصوتية الإبداعية ، يجري في محطات منها تغييب الحوار بين الممثلين حيث يجري ترك العنان إلى أشكال من صخب وضوضاء البيئة التي تسري فيها الأحداث .
يروي فيلم (وقت اللعب) محاولات مسيو هولو الالتقاء مع مسؤول أميركي يحضر إلى باريس في زيارة عمل، لكن هولو يجد نفسه بوسط متاهة بصرية مزنرة بأشكال من العمارة الحديثة المليئة بالأدوات التقنية، ثم يأخذ هولو يدور حول هذه العناصر المدنية الحديثة في عوالم مدينة باريس وكأنه ضائع بين مجاميع من السياح الأمريكيين، وهو الأمر الذي يتسبب فيه بإشكالات من التأخير والفوضى في عمله اليومي.
تعاين كاميرا فيلم (وقت اللعب) مساحات بصرية واسعة تشكل معالم باريس العمرانية الحديثة، تبدو فيها من على مستويات متباينة تارة بتكوينات من عل لواجهات وأسطح ومصاعد لمباني وعمارات وواجهات مرصعة بتصاميم الهندسة الحديثة، وتارة أخرى بزوايا تطوف داخل الأرصفة والشوارع والساحات والميادين، وفي جميعها تعابير بصرية محملة بالإشارات والإيحاءات تكشف عن تحديات عملاقة تدلل على تقزيم قدرات الإنسان المعاصر وهدر طاقاته في زحام المدينة المعاصرة ومتطلباتها في البذخ والتبذير على مواد صناعية تجميلية آنية لا تلبث أن تتساقط وتتناثر مع حراك الإنسان العفوي والطبيعي .
يدين الفيلم التحول الإنساني إلى الأنماط الاستهلاكية السائدة في المجتمعات الصناعية التي تقلص من رقعة التواصل والتفاعل بين البشر وبالتالي تضيع الحدود الفاصلة بين العمل واللعب، ان لم يكن العبث في القيم الإنسانية الذي يؤدي إلى الانهيار في بنية تلك المعالم، التي تنهض على الصناعة الثقيلة دون أي حساب لأحاسيس ومشاعر النفس البشرية في الاندماج العفوي مع مكونات الطبيعة وفضائها الرحب.
رأى المخرج الفرنسي الشهير فرنسوا تروفو احد رواد الموجة الفرنسية الجديدة في فيلم تاتي (وقت اللعب) 1967، كأنه باليه صور، معبرا في بناءه الدرامي عن رؤية بصرية هي نقيض الفيلم الأدبي، كونه لا يشبه في شيء ما هو موجود، انه فيلم كأنه يسقط من كوكب آخر، تصور فيه الأفلام على نحو مختلف، ولعله يمثل أوروبا المؤفلَمة سينمائياً بفعل سينمائي فريد رأى ما لم يعد يراه احد، وسمع ما لم يسمعه أحد.
اتسمت اشتغالات تاتي صاحب الفيلم الكوميدي (عطلة السيد هيلو) 1958 ببساطة الأداء ونص بسيط مقتصد ينضوي على معالجات لازمات الإنسان اليومية، وبرع في تقديم هذه التيمة بخفة وفطنة ومهارة بصرية، لجأ فيها إلى تقديم المواقف المليئة بالدعابة بعيدا عن اللغو في الحوارات متكئا على شخصيته التي تبدو ساذجة بملابسه الثابتة، المعطف والمظلة، وطريقة المشي وكثيرا ما تظهر بلقطات طويلة ومتوسطة في نأي متعمد عن الظاهرة النجومية.
كان أول ظهور للممثل والسيناريست والمخرج الفرنسي جاك تاتي العام 1931 في دور اعتمد فيه على تعابير وجهه وجسده لتقليد الرياضيين والحكام، وأدى في العام 1932 دورا رئيسيا في احد الأفلام القصيرة بعنوان (أوسكار بطل التنس)، ثم تتالت أفلامه القصيرة في حقبة الثلاثينات من القرن الفائت، وفي أواخر عقد الأربعينات تحول إلى إخراج الأفلام الروائية الطويلة، وفي هذا الجانب قدم أول أفلامه بعنوان (اليوم الكبير) 1949، وأعقبه بخمسة أفلام روائية غدت من أشهر كلاسيكيات السينما الفرنسية والعالمية ونالت العديد من الجوائز، كان من بينها فيلم (وقت اللعب) 1967 وفيلم (سير) 1971.