يستعيد الفيلم الأسباني" البحر داخلنا" وقائع قصة حقيقية هزت المجتمع لفترة من الزمن تتعلق برجل يدعى رامون كان في شبابه يعمل ميكانيكيا على متن سفينة، ثم أصيب بشلل أقعده في السرير ما يقرب الثلاثين عاماً، عاش خلالها في مزرعة قريبة من البحر، حيث كان يرعاه أفراد عائلته، زوجة أخيه، أخوه الأكبر، والده، وابن أخيه الشاب. على مدار السنوات ظل " رامون " يكافح ليحصل على حق إنهاء حياته و يرفض أن يعيش بحالته هذه لأنها حياة خالية من الكرامة، كما يرفض اللجوء إلى الكرسي المتحرك، لأن الموافقة على هذا تساوي من وجهة نظره القبول بفتات الحرية.
رامون في فيلم" البحر داخلنا" ليس ميكانيكيا بل جعله المخرج شاعرا وكاتبا. وهذا ما ساعد على شحن الفيلم بتأملات ذات طبيعة شعرية فلسفية تنطلق من شخصية رجل تعلم إخفاء حزنه بابتسامة، وصار يتعامل مع المأساة بسخرية، ويغطي على العجز في التعامل مع الواقع عن طريق الحلم.
يتشكل محور الأحداث في الفيلم من علاقة " رامون " باثنتين من النساء. المرأة الأولى هي " جوليا " المحامية التي تبرعت للدفاع عن قضيته لأنها مثله تعاني من مأساة حياتية بعد أن فقدت قدرتها على الحركة بسبب مرض خطير وصارت تستخدم الكرسي المتحرك. وهي بسبب من يأسها من تحقيق أحلامها و طموحاتها قررت الانضمام إلى جمعية أعلنت عن نفسها تحت شعار" الموت بكرامة ". تبنت " جوليا " قضية " رامون " لأنها قضيتها وصارت تقضي الوقت كله معه، تصغي إلى قصة حياته، وتتعرف على تفاصيل حالته، وبهدف مساعدته تقرر جوليا أن تنشر مجموعة أشعاره في ديوان. و مع أن جوليا متزوجة، إلا أنها وقعت في حب رامون على الرغم من مرضه الذي جعله عاجزا عن الحركة أو حتى مغادرة سريره، كما انه بالمقابل صار يكن لها الحب. ولهذا تتراجع جوليا في النهاية عند الوعد الذي قطعته له القاضي بمساعدته على التخلص من حياته بعد صدور الكتاب. أما المرأة الثانية فهي تدعى روزا، وهي تعيش مع طفليها بعد أن تخلى عنها زوجها، وهي في الأصل كانت عاملة في مصنع ثم فقدت عملها لأنها كانت تشارك في الاضرابات العمالية، وصارت بعد ذلك تعمل كمذيعة ومهندسة صوت في إحدى المحطات الإذاعية. وهي تعرفت إلى رامون بعدما شاهدته في برنامج تلفزيوني، وأعجبت بعينيه الجميلتان المليئتين بالحياة مما جعلها تستغرب رغبته في إنهاء حياته فتحاول إقناعه بان في الحياة الكثير مما يستحق العيش من اجله، ومع ذلك فهي التي ستساعده في النهاية على تحقيق رغبته. أما المفارقة التي يتضمنها الفيلم فهي أن رامون وعلى الرغم من انه حاول طوال ثلاثين عاما أن يحصل على الحق بالموت الرحيم إلا أنه استطاع أن يثير حب الحياة في نفوس من حوله.
حصل هذا الفيلم الذي جرى إنتاجه في العام 2004 على 57 جائزة دولية إضافة إلى جائزة الأوسكار.