شاب يجد نفسه في زورق في البحر الهائج ومعه نمر مفترس، هذا هو الحدث الأكبر في الفيلم الأمريكي الحديث" حياة باي" الفائز بجائزة الأوسكار لأفضل تقنيات و الذي تعرضه لجنة السينما في مؤسسة شومان مترجما للعربية؟
بعد أن استعادت الحكومة الهندية أرضا ًمؤجرة من قبل عائلة كانت قد أقامت عليها حديقة للحيوان يضطر ربُّ الاسرة الى اتخاذ قراره بالسفر إلى كندا مع جميع أفراد عائلته لغرض بيع الحيوانات مقابل مبلغ من المال يكفيهم للبدء بحياة جديدة هناك، ويشاء القدر أن تغرق السفينة في عرض البحر بما فيها من طاقم وركّاب وحيوانات باستثناء ناج ٍ واحد هو"باي" الابن الأصغر للعائلة. ترحل السفينة اليابانية لتمرَّ في أعمق نقطة في البحر بالقرب من أحدى جزر الفلبين،وهنا تأتي عاصفة رعدية هوجاء في تمام الساعة الواحدة وخمس عشرة دقيقة بعد منتصف الليل بينما كان الكل نيام باستثناء باي، الذي يجد نفسه مندفعا بفرحٍ إلى سطح السفينة،مستهينا بالبرق والرعد والعواصف، وغير مدرك لخطورة ما يجري من حوله، فيواجه البحر الهائج برقصة بريئة يعبِّر فيها عن دهشته وفرحته بما يرى، وما هي إلاّ لحظات حتى تبدأ أمواج البحر بإغراق السفينة، فيجبره طاقمها على النزول في قارب إنقاذ صغير سرعان ما ينفلت الحبل الذي كان يربطه بالسفينة لتأخذه الأمواج الهائجة بعيدًا عنها وليجد نفسه وحيدا ً وسط البحر مع حمار وحشي وقرد وضبع ونمرٍ متوحش،ومن بعيد يرى السفينة تغرق ويبتلعها البحر بكل أفراد عائلته ولم يتسنى له فرصة توديعهم .
بعد أكثر من عشرين عام على حادثة الغرق يأتي كاتب روايات كندي ليزور باي في بيته بكندا التي أستقر فيها،لأجل أن يسمع منه تفاصيل ما جرى ، جاء إليه بعد أن سمع بقصته قبل عدة أعوام عندما ذهب في رحلة إلى الهند ليؤلف كتابا
في هذا الفلم يعيش باي رحلة قاسية وموحشة لم تكن تخطر على باله يتداخل فيها الحلم مع الواقع فكانت اختبارا لكل ما كان يبحث عنه وامتحانا ً صعبا ً لأرادته وشجاعته وضعفه وإنسانيته وهو يواجه أخطارا ً شتى في عرض بحر هائج وحوله عدد من الحيوانات المتوحشة التي تبدأ صراعا ًعنيفا مع بعضها من أجل البقاء حتى يتمكن النّمر من افتراسهم جميعا ليبقى بمواجهة مع باي .
في هذا الجزء المهم من الفيلم يلعب فن الغرافيك دورا ًكبيرا ًفي صنع بيئة ساحرة بواقعيتها وجمالها وتكويناتها وألوانها، تتألف مفرداتها من سماء وغيوم وبحر وقارب وليل ونهار وأمواج وما يختزنه البحر من أسماك صغيرة وكبيرة،فكانت عملية صنعها متقنة جدا ً،عكست ما توصل إليه فن الغرافيك من إمكانات هائلة لا حدود لها في خلق ما كان يبدو مستحيلا إلى فترة قريبة ً، في هذه المرحلة من الصراع وسط البحر يبدأ باي بتسجيل مذكراته عن المشاق التي بدأ يواجهها دفاعا عن وجوده وحياته وعن حقيقة الإله الذي لم ينسه في خضم هذه المحنة، بل بقي يبحث عنه ، وفي لحظة عاصفة يجد نفسه يخاطب السماء:" أيها الإله أنا أهبك نفسي، أنا خادمك،أيّا ً كان ما سيأتي، أريد أن أعرف".
رحلة التأقلم مع البحر بدأت عندما باي بقراءة كتيب صغير عثر عليه بين صندوق أغذية معلبة وجده في زاوية من القارب،كان الكتاب عبارة عن مجموعة من الارشارات والنصائح لمن يجد نفسه وحيدا ًفي عرض البحر فكانت تنصحه بأن يبقى منشغلا،وأن يتجنب المجهود غير الضروري، لذا عليه أن يُشغِل العقل بأوراق اللعب أو الإجابة عن العشرين سؤال الموجودة في الكتاب أو الغناء، باعتباره طريقة أخرى لرفع الروح المعنوية،وقبل كل شيء أن لا يفقد الأمل،وفي ذروة الصراع الشرس بينه وبين النمر، يبدأ مرحلة ترويضه ويفلح في ذلك، ليصل إلى نتيجة مفادها :"لولا وجود النمر لما شعر بالطمأنينة والسلام".
في نهاية الفلم يصل باي إلى غابة خضراء هي أقرب إلى صورة من الخيال منها إلى الواقع،بقعة لا يتواجد عليها بشر، فقط أشجار وأعشاب وبرك مياه عذبة وأعداد هائلة جدا من حيوان صغير أليف وليكتشف باي بعد ذلك،أن أشجار الجزيرة ليست سوى أكلة ٍللحوم البشر، وأن كل ما موجود على الجزيرة خلال النهار من مياه عذبة يتحول في الليل بفعل مادة كيميائية إلى حوامض تحلل الأسماك،كما أن صوت الحيوانات المخيف يدفع النمر إلى أن يجري هاربا نحو القارب ليبيت فيه طيلة الليل مقابل الجزيرة، وعندما أراد باي أن يأكل ثمرة إحدى الأشجار اكتشف سناً ً بشريا ً داخلها ولم يكن سوى سن إنسان مسكين تائه مثله، وجد نفسه على الجزيرة في يوم ما فأعتقد متوهما ًبأنه سيبقى حيا إلى الأبد في هذا المكان، لكن ما أعطته إياه الجزيرة في الصباح أخذته ليلا .
يواصل باي حديثه للكاتب الكندي فيقول :" لم احتمل أن أموت رغم الوحدة التي سأقاسيها، لذا كان علي أن أعود إلى العالم أو الموت مُحاولا ً". ليكتشف بعد تجربة السِّن الذي عثرَ عليه،أنَّ الإله حتى بعدما تخلى عنهُ كان يراقبه ويدعمه، وعندما كان قد فقد الأمل بالنجاة أعطاه الدعم وأعطاه إشارة لكي يتابع رحلته.
يصل باي بقاربه إلى الساحل المكسيكي خائر القوى، وينزل النمر بهدوء على رمل الساحل متجاوزا ً باي المطروح على الساحل ، متجهاً نحو الغابة دون أن يلتفت إليه، وليختفي إلى الأبد، وما أن يصحو من غيبوبته بعد أن يتم العثورعليه من قبل الصيادين حتى يبدأ في البكاء كما لو أنه طفل صغير ضائع وليس ذاك الشاب الشجاع الذي واجه البحر والعواصف.