لقد سبق للمخرج الفرنسي لوك بيسون ان قدم في افلامه عدة رموز نسوية لعبت دورا مهما وبارزا في الحياة. وفي فيلم" السيدة" الذي تعرضه مؤسسة شومان مترجما للعربية والذي كتبت قصته واعدتها للسينما– ريبيكا فراين– يتناول المخرج حياة المناضلة البورمية– اونج سان سو كي– المولودة سنة 1947 لأب يعتبر من أهم رموز العمل الوطني والسياسي في بلده نورما– اونج سان– قاد بلاده في طريق التحرر والديمقراطية, لكن طغمة عسكرية أطاحت به وأعدمته وحكمت البلاد حكما ديكتاتوريا بشعا. أما والدتها فكانت ايضا ناشطة سياسية وعملت أثناء الحكم الديمقراطي سفيرة لبلادها في الهند حيث درست قبل أن تلتحق بجامعة اكسفورد في بريطانيا وهناك تزوجت من البروفيسور – مايكل اريس - وانجبت منه ولدين .
في سنة 1988 اضطرت– سو كي- أن تعود لبورما بسبب مرض والدتها وهناك التقت بكثير من جرحى انتفاضة تلك السنة ضد الديكتاتورية العسكرية ومن خلال هذه اللقاءات ومتذكرة ايضا نضالات والديها قررت البقاء في بورما والمشاركة في النضال الوطني من أجل حكم ديمقراطي وهي تدرك تماما ما ستواجه .
يرصد الفيلم حياة– سو كي- بعد عودتها لبلدها وما عانته هناك كما يرصد علاقتها بزوجها, هذه العلاقة الانسانية الرائعة, فهو ممنوع من دخول بورما وهي إن غادرتها لن يسمح لها بالعودة، لكنه بحس إنساني وموقف شجاع قبل هذا الوضع غير الطبيعي لا بل شجعها على الصمود من أجل بلدها مما جعلها تزداد إصرارا على موقفها. يشكل هذا الموقف الشجاع من قبل الزوجين المحور الرئيس في هذا الفيلم. لقد فازت– سو كي– في الانتخابات التي جرت ولكن الطغمة العسكرية رفضتها وفرضت عليها الإقامة الجبرية في منزلها. ومما زاد في الضغط النفسي على الزوجين إصابة الزوج بمرض السرطان. إن هذا الارتباط الاسري بين الزوجين رغم ما يعانيانه يضرب به المثل ويشكل نموذجا للمناضلين من أجل أوطانهم.
في حديث للمخرج عن الفيلم قال: إن فيلمي هذا ما هو إلا قصة حب ملحمية عن زوجين وولديهما وكيف يضحيان بسعادتهما من اجل هدف سام, وهما بالرغم من الابتعاد القسري المفروض عليهما والخطر الذي يهدد حياة الزوجة , لم تتأثر رابطة الحب والاحترام بينهما. هذا ما يصوره فيلمي على خلفية سياسية واقعية ما زلنا نشاهد آثارها حتى الآن في تلك البقعة من العالم، استغرقت كتابة القصة من ريبيكا فراين حوالي الثلاث سنوات قابلت خلالها ما استطاعت من الناس الذين كانت لهم علاقة مع سوكي.
قامت بالدور الرئيس في الفيلم الممثلة من اصل ماليزي – ميتشل يوه - وصفاتها الجسدية تتطابق الى حد ما مع صفات سو كي، من الجدير بالذكر أن الإقامة الجبرية رفعت عن سو كي أثناء تصوير الفيلم، وقد فازت سو بجائزة نوبل تقديرا لنضالها السلمي من اجل الديمقراطية. اخذ بعضهم على الفيلم انه لم يعالج بدايات حياة سو كي بعمق ومن ثم التطور الدرامي الذي أوصلها لمثل هذا الموقف البطولي، في حين نظر آخرون له من زاوية ذلك الارتباط الانساني العاطفي بين الزوجين. وعلى اية حال يبقى الفيلم من الافلام التي تستحق المشاهدة .