تتميز أفلام جان لوك غودار، حسب الناقد محمد السلوم، بالغرابة السينمائية والحلم وهذه الحالة المزمنة من الحلم حيث يتفكك فيلم جان لوك غودار إلى مجموعة من العناصر المتناقضة بلغة سينمائية بديعة ثم تركب تلك الأجزاء وكأنه فن الكولاج لبيكاسو, وهنا تبدأ رحلة الإبداع في فيلم "بييرو المجنون" حيث يبرز كل من الغضب والثورة على المجتمع والسياسة في آن معا وكذلك يبرز الفيلم موضوع رفض المجتمع الاستهلاكي والبحث عن السعادة والحق بالحلم الذي أصبح موعودا عبر الفرار من باريس نحو البحر المتوسط واللجوء إلى الفن التشكيلي والأدب والرسومات الكرتونية والمفاجأة بالفيلم هي في قلب كل وحدة تصويرية من مواضيع ومشاهد متعددة فضلا عن النهاية المتطرفة جدا عندما يفجر فردينان غريفون رأسه بالديناميت بعد قتله لماريان وأخيها المزعوم.
أما قصة الفيلم، الذي يعرض مترجما للعربية، فهي عن فردينان غريفونو هو رجل يعيش مع زوجته وأطفاله, يفقد وظيفته بالتلفزيون وذات مساء وبعد عودته غاضبا ومغتاظا من عائلة زوجته.يقرر الهروب مع حاضنة أطفاله وصديقته السابقة ماريان ويترك أولاده وينطلق مع ماريان نحو الجنوب الفرنسي وهنا يتورطان بالكثير من المشاكل من سرقة سيارات إلى تهريب أسلحة وقضايا سياسية وهذا ما يميز الأسلوب والنمط الأبدي من صراع الحب والموت لدى المخرج جان لوك غودار وقد تداخل في هذا الفيلم الكثير من المشاهد المتنوعة والغنية والجميلة فضلا عن اللوحات والكتابات المتميزة التي قرأها بلموندو من كتاب"تاريخ الفن"لايلي فور, حيث تظهر العديد من الشخصيات المتوسطية(كالأميرة عائشة عبادي من لبنان وقد جسدتها أنا كارينا نفسها) وكذلك قضية فيتنام على اثر سرقة فردينان وشريكته ماريان أموال السياح الأمريكيين وهما يسخران من الاحتلال الأمريكي لفيتنام.
رسم جان لوك غودار في" بييرو المجنون" لوحة تشكيلية حاول فيها أن يوجز معظم الحقب السينمائية و الأنواع الهامة التي مرت في تاريخ السينما العالمية وضخ الدماء في المواضيع الإنسانية مثل الحب و الكره، الغرائز والأحاسيس، العشوائية و المسؤولية والتعبير عن ذلك من خلال استخدام ذكي للاقتباسات الأدبية ونشر اللوحات الفنية على الجدران المحيطة بعوالم شخوصه، واستخدام" الفلاش باك" والحديث المباشر مع الكاميرا والمزج بين السرد الحركي المثير و الإيقاع العاطفي الرتيب، وكل ذلك في قالب ساحر ينقل عبره مدى الاستهتار الذي يقبع في نفوس الأفراد و تأثير المجتمع عليهم. جان لوك غودار، وكعادته في أفلامه، قدم جرعة سياسية في فيلمه هذا وذلك بحديثه عن الأفعال الدموية التي تمارسها الأنظمة من خلال طرحه للعديد من المسائل السياسية الشائكة في حينه مثل الحرب الجزائرية و الحرب الفيتنامية والقضية اللبنانية.
فيلم" بييرو المجنون" عن عالم لا منطق فيه و مجتمع يغرق في تناقضات أفراده.
حصد هذا الفيلم جائزة الأسد الذهبي في البندقية عام 1965 وهي جائزة النقاد كما حصل الممثل جان بول بلموندو على جائزة أفضل ممثل عام 1967 في جائزة البافتا البريطانية.