فيلم "ماراثون" ( سباق) هو باكورة الأفلام الروائية الطويلة للمخرج الكوري الجنوبي جيونج يون – شيول الذي اقتصرت أعماله السابقة على إخراج فيلمين قصيرين والعمل كمدير فني ومونتير في عدد من الأفلام.
وتستند قصة فيلم "ماراثون" إلى وقائع حقيقية تتعلق بشاب كوري جنوبي في العشرين سنة من العمر اسمه باي هيونج – جين مصاب بمرض التوحد (Autism)، وهو نوع من الاضطراب العقلي. ويهوى هذا الشاب رياضة العدو. ويبلغ الفيلم ذروته باشتراك هذا الشاب في سباق الماراثون. ويقوم بدور الشاب المتخلف عقليا في الفيلم الممثل شو سوينج – وو. وتركز قصة الفيلم الدرامية على العلاقة بين هذا الشاب وبين والدته التي تكرس حياتها لرعايته والتي تقوم بدورها الممثلة التلفزيونية كيونك – سوك.
ومع أن بطل الفيلم في العشرين سنة من العمر، فهو يستوعب العالم من حوله بعقلية طفل. وهو مولع بأكل البسكوت وبحيوانات الزرافة ويستطيع أن يحفظ عن ظهر قلب المحادثات العابرة والبرامج التلفزيونية حرفيا. وكثيرا ما يتصرف هذا الشاب كطفل، كأن يرقص في أي مكان دون سابق إنذار. ومع أن مثل هذا التصرف قد يبدو ممتعا أو فكاهيا في بعض الأحيان، إلا أنه كثيرا ما يجلب له المتاعب لأنه غير قادر على فهم العالم من حوله. وتلعب والدة هذا الشاب دورا أساسيا ومهيمنا في حياته، فهي تتحكم في الكثير من جوانب حياته، متذرعة "بحمايته". وقد مر بطل الفيلم في طفولته بمرحلة صعبة، ولكنه تمكن بفضل المدرسة الخاصة التي ذهب إليها وبسبب إصرار والدته على مشاركته في العديد من النشاطات والسباقات الرياضية أن يحقق بعض التحسن. وتقرر الأم، بسبب شغف ابنها في رياضة العدو، أن يشترك في سباق الماراثون. والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل إن ذلك يحقق طموحات الابن أو طموحات الأم؟ وهل إن الشاب يتمتع بممارسة العدو فعلا أم أنه يواصل التدرب لتحقيق مطالب والدته ورغباتها؟
وتلقي قصة فيلم "ماراثون" الضوء على العلاقة بين الشاب وبين المدرب الذي استعانت به الأم لإعداد ابنها لسباق الماراثون. وهذا المدرب هو نجم سابق في العدو يشعر بالمرارة ويقبل المهمة بتردد لأنه مرغم على أداء خدمة اجتماعية نتيجة صدور حكم ضده بسبب قيادة سيارته تحت تأثير الكحول. ولكننا نرى كيف تتطور العلاقة الإنسانية بين المدرب والشاب وكيف يؤثر الشاب المتخلف عقليا والمتحمس على المدرب ويدخل الدفء إلى قلبه البارد، وبالمقابل كيف يعلّم المدرب الشاب المهارات التي يحتاج إليها للتفوق في السباق، وبذلك يغير كل منهما حياة الآخر نحو الأفضل. ولا تقتصر مشكلة الشاب على إصابته باضطراب التوحد، بل إنه يتعرض فجأة لمرض آخر، ولكنه ليس مرضا مميتا يثير الإحساس بالحزن والمشاعر المأساوية، بل إنه يكون بمثابة إنذار يعطي الأم فرصة للتأمل في سلوكها وفيما سببته لابنها طوال هذه السنين. فهل حان الوقت لكي ترفع قبضتها عنه وتعطيه الفرصة للانطلاق بحرية؟
ويتميز فيلم "ماراثون" ببراعة المخرج جيونج يون – شيول في عرض قصة إنسانية بأسلوب سردي واقعي دون الغوص في بحر من العواطف. ولكن البطل الفعلي لفيلم "ماراثون" هو بطل الفيلم الممثل شو سيونج – وو الذي أمضى وقتا طويلا مع شخصية القصة الحقيقية باي هيونج – جين لمراقبة حركاته وتصرفاته بجميع تفاصيلها على الطبيعة، ونجح في تقمص شخصية المصاب باضطراب التوحد بواقعية مذهلة من حيث الصوت والحركة والسلوك، إلى درجة أنه يصعب على المشاهد أن يميز بين الممثل وبين المصاب باضطراب التوحد. كما أجرى المخرج جيونج يون – شيول سلسلة من المقابلات مع باي هيونج – جين المصاب بالتوحد على مدى عامين للتعرف على شخصيته على الطبيعة.
ومع أن فيلم "ماراثون" يعالج الواقع الاجتماعي للمضطربين عقليا في المجتمع الكوري الجنوبي، فإن ذلك لا يحدث كليا من منظور المصاب باضطراب التوحد، بل إنه يبرز أيضا أثر التوحد على أفراد الأسرة، وخاصة العواقب الكارثية الناتجة عن "تفضيل" الأم لابنها المريض، على الوحدة الأسرية. فقد أدى سلوكها، كما يتضح في بداية القصة، إلى نفور الأب وقيامه بهجر الأسرة، كما أن إهمالها لابنها الآخر أدى إلى إحداث شرخ في العلاقة بينهما.
يشار إلى أن باي يونج – جين، محور قصة فيلم "ماراثون" تحوّل إلى شخصية شهيرة على الصعيد المحلي في كوريا الجنوبية بعد اشتراكه في عدد من سباقات الماراثون، وظهر في العديد من المقابلات التلفزيونية.
وقد جمع فيلم "ماراثون" بين النجاح الفني والتجاري. وهيمن الفيلم هذا العام على الجوائز السينمائية الكورية الجنوبية، وفاز بست منها هي جوائز أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل ممثل، بالإضافة إلى جوائز السيناريو والموسيقى التصويرية والتخطيط. كما سجل الفيلم أرقاما قياسية في الإيرادات على شباك التذاكر في دور السينما بكوريا الجنوبية.