تجري أحداث فيلم" الصعود" للمخرجة السوفييتية لاريسا شيبتكو زمن الحرب العالمية الثانية وفي فترة الشتاء القارص عندما كانت القوات الألمانية النازية تحتل جزءا كبيرا من الأراضي الروسية. تبدأ أحداث الفيلم بمشهد لمجموعة من الأنصار السوفييت المقاومين للاحتلال ومعهم نساء وأطفال وشيوخ وهم يهربون وسط الثلوج باتجاه الغابة الكثيفة كي تخفيهم عن قوة من الجيش الألماني تحاصر المنطقة. وحين يصبح الجميع بمأمن وسط الغابة التي ابيضّت من كثافة الثلوج، يشرعون في التباحث حول أفضل وسيلة لتأمين بعض الطعام والأدوية، ويتفقون على ضرورة إرسال اثنين من المتطوعين لمحاولة اختراق الحصار والوصول إلى أقرب قرية بهدف جلب معونة من سكانها.
يتطوع لأداء المهمة الخطرة اثنان، الأول منهما جندي في الثلاثينات من عمره، قاسي الملامح، قوي البنية، يبدو عليه من النظرة الأولى أنه محارب شرس خبر الحياة وعاركها وذاق قساوتها، بما يوحي انه نموذج تقليدي بعامة للبطل السينمائي.
أما المتطوع الثاني، فهو على العكس من الأول تماما. إنه رجل رفيع العود، ضعيف البنية، يضع نظارات طبية على عينيه، تبدو عليه بوضوح سيماء المثقف الذي ما عرف إلا الحياة السهلة ولم يمارس في حياته من الجهد إلا الجهد الفكري. إضافة إلى هذه الصفات، فإن هذا المتطوع المثقف مريض ويسعل باستمرار. إنه باختصار، نموذج لما يطلق عليه في النقد الدرامي صفة" ضد البطل".
في البدء، يستهجن المحارب الشرس أن يكون رفيقه في الرحلة المحفوفة بالمخاطر مثل هذا المثقف العليل، غير أنه يوافق في النهاية إثر إصرار المثقف على التطوع تعبيرا منه عن التزامه السياسي والوطني. ومنذ اللحظة الأولى للرحلة يتحول المثقف على عبء على المحارب، فهو عمليا لا يصلح لشيء، كما أن جسمه الضعيف لا يتحمل مشاق الرحلة، كما أنه لا يعرف كيف يتصرف في اللحظات الحرجة. وحين تفاجئ الاثنين دورية ألمانية، فهو يفشل في استخدام سلاحه، والأنكى من ذلك أنه يصاب في الاشتباك مع الألمان برصاصة في قدمه، ويصبح، بالتالي، عاجزا عن السير لوحده، لكنه مع ذلك، يعاند ولا يفكر بالعودة إلى الغابة ويصر على متابعة المهمة.
أما المحارب فوضعه مختلف تماما. إنه يقود رفيقه، يساعده، يوجهه، يخرجه من المأزق،، يشتبك مع الألمان نيابة عنه، ينقذه ويضمد جراحه، يقوده في الطريق، يسنده أو يحمله، إلى أن يصلان إلى أقرب قرية بدت له آمنة. إنه يقوم بكل ذلك بنشاط وشجاعة وتصميم وشعور بالواجب على الرغم من حنقه على هذا المثقف الضعيف الذي أصبح عبئا عليه، وعدم فهمه للسبب الذي دعا مثل هذا الشخص للتطوع للمهمة الخطرة.
ليلا، وهما نائمان في أحد بيوت القرية، تعثر عليهما دورية ألمانية وتعتقلهما. ويتعرض الاثنان للتعذيب أثناء التحقيق. يصمد المحارب ويصمد المثقف. وبعد أيام من التعذيب يضعهما المحقق أمام خيارين: التعاون أو الموت.
في هذه اللحظة، وأمام الإحساس بجدية التهديد وحتمية مواجهة الموت يفقد المحارب الأمل وتنهار مقاومته ويجبن ثم يخضع لشرط التعاون، راضيا بالعيش الذليل.
أما الآخر، المثقف الضعيف الجسم، المريض والجريح العاجز عن الحركة، فهو يتكشف عن قوة روحية هائلة، وهو، مدفوعا بعمق الإيمان بقضيته يتخذ موقفا بطوليا، إذ يختار الموت.
في المشهد النهائي من الفيلم، وقبيل لحظة من إعدامه شنقا أمام أهل القرية الذين أُجبروا على مشاهدة الحدث، تشع من عينيه نظرة متوهجة تتصل بخيط خفي بعيون مواطنيه وتملآهم بحرارة روحه.
يتميز الفيلم ببراعة بتكامل عناصره الفنية والدرامية وبراعة إخراجه وتصويره، خاصة باستخدامه للأبيض والأسود استخداما مبدعا بحي يصح القول أن ملون بالأبيض والأسود وليس فقط مصورا بالأبيض والأسود.
حصل الفيلم على أربع جوائز رئيسية في العام 1977 من مهرجان برلين الدولي منها جائزة الدب الذهبي.