في هذا الفيلم الذي تقدمه لجنة السينما في مؤسسة شومان يتناول المخرج الصربي سردان بلغة سينمائية بسيطة ومؤثرة واقعا مؤلما اصبحت عليه بلده يوغسلافيا بعد ان تفتت من دولة كبيرة فاعلة عالميا الى دويلات متفرقة ومتناحرة على اساس ديني بحت . وفي الفيلم نحس بعدم ايمان المخرج بهذا الواقع الجديد ونلمح ايضا ادانته للسذاجة التي يتناول بها البعض القضية الدينية بلا عمق وبلا ادراك لجوهر الدين .
لا يحاول المخرج في فيلمه ان يحلل اسباب هذا التشرذم الذي حصل في بلده كما انه لا يقدم رؤيته في معالجة هذا الواقع السيئ, انه فقط يقدم للمشاهد تداعيات حرب عبثية تاركا له أن يتأمل في أسبابها بعد أن يغادر قاعة العرض وهذه هي مهمة المخرج الفنان.
تبدا احداث الفيلم سنة 1993 ابان الحرب بين البوسنة وصربيا في مدينة تريبيني اليوغسلافية حيث نتعرف على الجندي الصربي – ماركو – العائد الى بلده في اجازة فنراه مع والده – رانكو – اولا ثم يغادر ليلتقي خطيبته – ندى – في عملها وبعدها يذهب مع صديقه الطبيب – نيبوتشا – الى مقهى في ساحة البلدة وهناك يشاهد ثلاثة من الجنود المتعصبين دينيا وهم من نفس ملته يضربون شابا على غير دينهم لسبب تافه فيتدخل لحمايته ولكن الجنود يقتلونه. ان تصرف ماركو هذا بطولي واخلاقي، هذا التصرف شبهه المخرج بإلقاء حجر في ماء راكد اذ تتشكل دوائر تتسع كلما ابتعدت عن نقطة سقوط الحجر والفيلم- دوائر- يرصد التغيرات في حيوات مجموعة من الناس ابتدأت من نقطة الحدث، ثم يقفز المخرج باحداث الفيلم التي تجري الان بين المانيا وبلغراد إلى سنة 2005 أي بعد اثني عشر عاما, ففي ألمانيا نجد هاريس المواطن اليوغسلافي الذي تعرض للضرب من قبل الجنود القتلة الصرب الذين قتلوا ماركو بعد أن دافع عنه قد تزوج بعد هجرته من المانية ورزق بطفلين ونجد ندى وقد تزوجت من انسان سيء الخلق ورزقت منه بطفل وهي تحاول جاهدة ان تنفصل عنه بمساعدة هاريس الذي ما زال يتذكر جميل خطيبها في انقاذ حياته لذا فهو يساعدها في الفرار من زوجها رغم ما يتعرض له من تهديد .
اما في بلغراد فقد كان والد ماركو يقوم ببناء كنيسة على قمة هضبة منعزلة وفي احد الايام يأتيه شاب في مقتبل العمر يطلب عملا ويتعرف عليه فهو ابن أحد قتلة ابنه فيتردد كثيرا ثم يوافق ويرتبط معه بعدها بعلاقة إنسانية، وفي بلغراد أيضا يصبح نيبوتشا جراحا مميزا في احد المستشفيات حيث يحضر للمستشفى زعيم الجنود الصرب الذين قتلوا صديقه ماركو وكان موقفه انذاك سلبيا والان عليه هو ان يجري الجراحة الدقيقة للقاتل ...!
وهكذا تتقاطع الدوائر او قصص هؤلاء الاشخاص الذين ترتبط قصة كل منهم بالآخر, انها الحرب التي أثرت على الجميع وأدت لمثل هذه الإشكالات.
المخرج ساردان ولد في بلغراد سنة 1972 ويعتبر واحدا من أهم مخرجي صربيا وقد فاز فيلمه" دوائر" بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان برلين الثالث والستين وبجائزة المشمشة الذهبية في مهرجان يرفان السينمائي – ارمينيا – سنة 2013 وكذلك في مهرجان سين ايست كأفضل فيلم.