تخيل أن شركة أو سلطة ما عرضت عليك هذا السؤال؟ ما القيمة التي ستعطيها لنفسك! مئة ألف؟ مليون؟ هل ستخجل من رفع السعر نظراً لأنك عامل بسيط؟ أو حرفي؟ أو موظف في الحكومة؟ وأن راتبك الشهري لا يتعدى 500 دينار في أحسن الأحوال؟ وأن القليل الذي تطلبه أن كان مئة ألف سيلزمك 16 سنة من العمل حتى تحصل عليه؟ ماذا لو كنت تحصل على حوافز أو زيادات سنوية؟ هل كنت سترفع الرقم الى 200 ألف؟ هل تشعر أنك أكثر قيمة؟ أو أن القيمة أكثر عدلاً؟ هل يكفي هذا أبناؤك؟ إن كان الثمن حياتك؟ كم عندك من الأطفال؟ ثلاثة؟ من أكمل تعليمه منهم؟ من فيهم تزوج؟ هل يعاني أحدهم من إعاقة؟ هل سيكفيهم المبلغ بدلاً عنك؟ أم أن وجودك كما تظن ليس له عوض؟
هذه الأسئلة الغريبة كلها عرضت في فيلم مبني على وقائع حقيقية، صدر قبل ثلاث سنوات وكان عنوانه القيمة Worth الفيلم مستوحى من كتاب بنفس العنوان، لمسؤول أمريكي اسمه كينيث روث، كلّف بتعويض ضحايا هجوم الحادي عشر من سبتمبر، استعرض الفيلم قصص عائلات ضحايا الهجوم، زوجات وأبناء واخوة وأحباء، وكيف قررت الحكومة الأمريكية تعويض من كانوا في مواقع الهجوم صباح ذاك اليوم، ومن منهم استحق التعويض وكم كانت قيمة حياة من خسرهم؟
في السيناريو يعتمد كينيث روث الذي كان المعاون الخاص لصندوق التعويض لعائلات الآلاف الثلاثة الذين قتلوا في الهجوم على البرجين، وكيف قدّر الرجل قيمة الحياة لكل فرد منهم، اعتماداً على معادلة رياضية جامدة، المتغيرات الوحيدة فيها هي مناصب القتلى وأعمالهم، وعدد المعتمدين عليهم من عائلاتهم؟ حتى أنه وضع حداً أدنى للتعويض، لأقلهم قيمة، وقد كان سخياًإ ذ سجل لأولئك الأقل حظاً 200 ألف دولار كتعويض، بينما طالبت واحدة من عائلات الرجال ذوي الياقات البيضاء أكثر من 14 مليوناً عوضاً عن الرجل الذي كان معيلاً للعائلة!
الفيلم كان يستعرض حياة كل واحد من الضحايا وبطولاتهم، كأرباب أسر، ويسائلك بطريقة غير مباشرة عن ثمن هؤلاء؟ وثمن حياتك أنت؟ ومن حولك؟ السؤال يفرض نفسه مهما كان غريباً؟! قد تذهب أنت ضحية لحادث سيارة أو عمل أو غير ذلك، وتضطر شركة التأمين أن تقدّر ثمناً لك؟ كم تريد لها أن تدفع؟ وعلام تعتمد؟ ألا يكون راتبك الذي اعتمده مديرك قيمة لك مضروباً بعدد سنوات الخدمة الباقية حتى التقاعد؟ أم أن تلك هي قيمة عملك؟ لا قيمة روحك؟ أو قيمة وقتك؟ أليس وقتك هو عمرك فعلياً؟ احسبها إن كنت تستطيع؟
الكتاب والفيلم استخدما ذات العنوان Worth أي الثمن بدلاً من Value أي القيمة حيث كان عنوان كتاب كينيث روث الذي لخص فيه هذه التجربة التي اضطر لخوضها What's life worth؟ ما ثمن الحياة؟ فالثمن يختلف عن القيمة، اذ أنه يقيس الماديّ من الشيء بينما القيمة لا تقاس بالعملة، وتتخطاها إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
السؤال كبير جداً، ويتسع بقدر ما تريد له أو تفكر فيه، ما قيمة الحياة، أو الإنسان الذي يحياها، ومن يضع لها التسعيرة؟ وهل يمكن أن يخضع لما يختار له؟ أليست الروح هي أغلى ما نملك؟ أم أنها باتت هي الأخرى قابلة للتثمين كما هي قابلة للاستهلاك؟ حيث تشيأ العالم، والأرواح، وكل الأشياء، وأصبحت قيمة الإنسان أكثر سيولة في زمن التكنولوجيا وبات مستعداً للتخلي عن كل شيء مقابل المال، حتى حياته.
فما قيمة الإنسان في عالم بلا مبادئ، أو قيم؟