تقريباً لا يوجد هنالك الكثير من الجدل حول حقيقة سقراط كأنسان عاش في سابقاً أو حقيقته التاريخية من ناحية التواجد الفعلي في التاريخ، المشكلة السقراطية الحقيقية تكمن في ماهية سقراط حول آرائه وفلسفته الحقيقية، خصوصاً أن سقراط لم يدون شيئاً من فلسفته، فقد عرفنا سقراط في ثلاث مصادر وتقريباً كل منها متعارضة مع الآخر، سوف نعرضهم الثلاثة ونرى ما يمكننا تفسيره منها.
1. أريستوفان 450 ق.م - 386 ق.م
هو أقدم مصدر معروف والوحيد الذي عاصر سقراط في في شبابه أو منتصف عمره أي عندما كان أفلاطون وزينوفان رضيعين، كان اريستوفان كاتب مسرحي هزلي وفي هذه الأوقات تقريباً كتب أريستوفان مسرحية (السحب) وهي مسرحية تضهر شخصية سقراط في هذه المسرحية على إنها شخصية تمتلك نوع من المؤسسة التعليمية ويرتادها الطلاب بقيمة مالية لتعليمهم عن العالم الطبيعي بدءاً من الحشرات حتى النجوم، ويضهر أيضاً ممثل شخصية سقراط وهو يلبس قناع هذه الشخصية وبها يقوم في السخرية من آلهة أثينا القديمة، ونراه يقدم شخصية سقراط بشكل عام في منحى سلبي ومتناقض بعض الشيء فله أنه عاصر سقراط أكثر من البقية ولكن كان من الواضح إنه يسعى لتشويه صورة سقراط من خلال المسرحية، وقد قال عنه سقراط في محاورة الدفاع ووضح أنه من سمم أذهان المحلفين لأنهم نشؤوا على الأكاذيب التي قيلت عنه في المسرحية وتصويره البشع فيها.
2. زينوفان 425 ق.م - 386 ق.م
لقد كان زينوفان تلميذاً لسقراط، ولكنه لم يكن فيلسوفاً بل كان مؤرخاً وقد عرف سقراط لمدة قصيرة وقد قرر أن يكتب كتاب (المذكرات) في أربعة كتب وكما هو واضح من العنوان سوف يجمع كل ذكرياته عن معلمه في هذه الكتب، وأهم ما يذكر في الكتاب الأول هو أنه حاول دحض فكرة أن سقراط كان كافراً بآلهة ودين المدينة ويأكد على بطلان هذه التهمة، ويوضح نزاهة سقراط ومعارضته لمنهج السفسطائيين وفي باقي الكتب كذلك ثم يختم في الكتاب الرابع انطباعه عن شخصية سقراط برسالة احترام وإجلال لشخصه. وهنالك بالطبع مأخذ على تصويره لسقراط بصورة كشخصية عملية جداً فلا يمكن أن هذه الشخصية التي رسمها زينوفان لسقراط أن تكون نفسها التي أثرت على شخصيات عديدة وعقول عظيمة وأنشئت هذا التحول العظيم في الفلسفة اليونانية، وأيضاً لم يكن مؤرخاً حقاً في هذا الكتاب فكان أشبه بالروائي وهو أيضاً سطحي نوع ما وليس فيلسوفاً فلا يمكننا الحكم على مؤلفه بالدقة من ناحية طرح وعرض أفكار سقراط فيمكننا القول عن مؤلفاته أنها لا تخلو من الحقيقة بالطبع ولكنها يشوبها الكثير من الأخطاء.
3. أفلاطون 424 ق.م - 347 ق.م
كان أفلاطون يبلغ من العمر الخامسة والعشرين تقريباً عندما حوكم وأعدم سقراط فقد عاصر أفلاطون سنين حياة سقراط الأخيرة، فقد كان من الصعب على أفلاطون الشاب نظراً لمستواه الاجتماعي أن يتجنب سقراط، ونظراً لأن جميع المصادر تؤيد أن سقراط كان غالباً يتواجد في الأماكن التي يقضي بها الشباب الأثيني وقته، وأثبتت الدراسات الحفرية والتاريخية دقة تأريخ أفلاطون للأشخاص والأحداث والعلاقات الاسرية والصداقات. بالتأكيد أن تأريخ أفلاطون للأحداث هو الاهم من الناحية الفلسفية ولكن أيضاً هذا يمكن أن يكون سلاحاً ذو حدين أي لأنه كان فيلسوفاً يطوّع فكر سقراط ويسيسه للدفاع ولطرح مواقف لم تكن له بلأصل أي أن افلاطون يتحدث على لسان سقراط، ونرى أن هنالك بعض التناقضات في موقف سقراط في المحاورات.
هذه الاختلافات في محتويات المصادر كما رأينا هي اختلافات متنوعة الدوافع فيمكن تصنيفها بناءً على عدة عوامل منها المذهبي والذاتي والسياسي وطالما أننا لا يمكننا تحديد من هو السقراط التاريخي الحق فلا يسعنا إلّا أن ندرس سقراط عن طريق أفلاطون كونه أكثر من دوّن عنه وعن طريقه، أثّر في تاريخ الفكر اليوناني ثم الفكر الغربي
المراجع:
- Stanford encyclopedia of philosophy
- الفلسفة اليونانية حتى أفلاطون، عزت قرني، 1993