يجمع فيلم "أطفال الرجال" (2006) بين أفلام الدراما والخيال العلمي والإثارة والتشويق، وهو من إخراج المخرج المكسيكي المخضرم ألفونسو كوارون الحائز على اثنتين من جوائز الأوسكار، والذي شارك في كتابة سيناريو الفيلم مع أربعة كتّاب سينمائيين آخرين، وذلك استناداً إلى رواية بنفس العنوان للكاتبة البريطانية فيليس دوروثي جيمس صدرت في العام 1992 (توفيت هذه الكاتبة في شهر تشرين الثاني 2014 عن 94 عاماً).
تدور أحداث فيلم "أطفال الرجال" في بريطانيا في العام 2017 بعد أن تكون البشرية قد تعرضت لسلسلة من الحروب والكوارث والمجاعات والانقسامات والأمراض، وأسفر كل ذلك عن انتشار العقم وعدم إنجاب أي أطفال منذ 18 عاماً، مما يهدد البشرية بالفناء. وأعلن في بريطانيا التي تحولت إلى دولة بوليسية اعتبار جميع الأجانب مهاجرين غير شرعيين، وقامت القوات المسلحة بجمعهم وترحيلهم. وظهر في غضون ذلك تنظيم من العصابات المسلحة التي لاحقتها قوات الجيش. ووسط هذه الفوضى العارمة نتعرف على الناشط السياسي السابق ثيو فارون (الممثل كلايف أوين) الذي يقع ضحية للاختطاف وتكلفه زعيمة المختطفين، وهي زوجته السابقة جوليان (الممثلة جوليان مور)، بمرافقة وحماية اللاجئة الإفريقية الشابة كي (الممثلة كلير – هوب أشيتي) التي تحمل أول طفل يأتي للعالم منذ 18 عاماً، لكي تصل إلى جزر الأزور والالتحاق بمنظمة علمية متخصصة بعلاج العقم، مروراً بالساحل الجنوبي لإنجلترا.
ويرافق ثيو والشابة كي في بداية الرحلة الزوجة السابقة جوليا وممرضة نسائية ولوك أحد زعماء العصابات (الممثل تشيويتيل إيجيوفور). وتتعرض المجموعة خلال الرحلة لسلسلة من المطاردات العنيفة والاشتباكات المسلحة التي تسفر عن مقتل جوليا ولوك وجاسبر (الممثل مايكل كين) صديق ثيو فارون. وتضع كي مولودة قبل الوصول إلى المنطقة الساحلية، ويتعرض ثيو لإصابة خلال أحد الاشتباكات، إلا أنه يتمكن من الفرار مع كي في قارب صغير وتخبره كي بأنها ستسمي طفلتها باسم طفله الراحل ديلان، مشيرة إلى أن هذا الاسم يطلق على الذكور والإناث، وذلك قبل أن يفقد ثيو وعيه. وينتهي الفيلم نهاية مفتوحة، حيث لا يعرف المشاهد ما إذا كان ثيو ما زال على قيد الحياة أم لا.
ويطرح فيلم "أطفال الرجال" مواضيع الأمل والافتداء والإيمان في وجه العبثية واليأس. ويستخدم الفيلم عقم النساء كتعبير مجازي عن ضعف الأمل. وتمثل الطفلة الرضيعة في قصة الفيلم الأمل المتجدد الذي يعتمد على أجيال المستقبل. ويقدّم الفيلم على صعيد معين صورة واقعية للمواقف المناهضة للهجرة لدى شعوب بعض الدول الغربية. ويعتمد الفيلم على الصورة أكثر من الحوار، ويقدّم أمثلة كثيرة مستوحاة من برامج الأخبار الحديثة في عرض لمخيمات اللاجئين، كالإشارة الضمنية إلى الحرب في العراق وسجن أبو غريب ومعتقل غوانتانامو الأميركي في كوبا. وتستخدم في الفيلم سبع لغات، بينها اللغة العربية.
ويتميز فيلم "أطفال الرجال" بقوة الإخراج على يد المخرج المخضرم ألفونسو كوارون الحائز على أكثر من 100 جائزة سينمائية بينها اثنتان من جوائز الأوسكار، كما يتميز بقوة البناء الدرامي وبراعة السيناريو والتصوير والإخراج الفني. ويستخدم المصور إيمانيويل لوبيزكي الحائز على جائزة الأوسكار أسلوب اللقطات الطويلة المتواصلة التي بلغ طول أحدها ست دقائق و18 ثانية. وذكر المخرج ألفونسو كوارون في إحدى المقابلات أن تصوير الفيلم تم بأسلوب وثائقي على غرار تصوير فيلم "معركة الجزائر" (1966) بدلاً من أسلوب تصوير فيلم الخيال العلمي "بليد رانر" (1982). كما يتميز الفيلم بقوة أداء الممثلين، وفي مقدمتهم بطل الفيلم الممثل كلايف أوين في أقوى أدواره السينمائية حتى الآن والممثلة البريطانية الشابة المتحدرة من أصل غاني كلير – هوب أشيتي في ثاني أدوارها السينمائية والممثل القدير مايكل كين الحائز على اثنتين من جوائز الأوسكار والممثلة جوليان مور المرشحة لأربع من جوائز الأوسكار.
وعرض فيلم "أطفال الرجال" في ستة مهرجانات سينمائية، بينها مهرجان البندقية والمهرجان البريطاني ومهرجان أوسلو الدولي. وفاز هذه الفيلم بأربعين جائزة سينمائية شملت ست جوائز لأفضل فيلم وسبع جوائز لأفضل مخرج و13 جائزة لأفضل تصوير، كما رشح الفيلم لثلاث من جوائز الأوسكار لأفضل سيناريو وتصوير ومونتاج. وبلغت الإيرادات العالمية الإجمالية لهذا الفيلم 70 مليون دولار، فيما بلغت تكاليف إنتاجه 76 مليون دولار.