لطالما كانت الأردن مهدًا لاحتضان الشعوب والحضارات التاريخية القديمة، فقد أضحت الأردن منبعًا للتفاعل والتبادل الحضاري بين مختلف شعوب العالم التي ما زالت عمرانها وآثارها شاهدةً على عراقة ماضيها و نبضها بالحياة، إذ بين علم الآثار أن البشر قد سكنوا هذه الأرض في العصور الحجرية القديمة، وقد اعتمدوا الزراعة والصيد كسائر البشر للبقاء على قيد الحياة.
في العصر الحجري الحديث، ظهرت المستوطنات الزراعية مثل موقع عين غزال، الذي يعد من أقدم التجمعات الحضرية في العالم. ومع بداية العصر البرونزي، نشأت الممالك الكنعانية التي تركت إرثًا ثقافيًا غنيًا، تبعها في العصر الحديدي ظهور ممالك مؤاب وعمون وأدوم، والتي كانت على تنافس مع القوى الإقليمية العظمى في ذلك الوقت مثل الاشوريين والبابليين.
مؤاب
تاريخها، آثارها وسقوطها
امتدت مملكة مؤاب من شمال الكرك إلى أرض الشوبك وعلى حدود شرق البحر الميت خلال العصر الحديدي، ويرى بعض الباحثين أن أصل سكانها يعود إلى قبائل الشاسو، وهم جماعات رعوية متنقلة كانت تقطن جنوب بلاد الشام، ثم استقروا تدريجيًا ليؤسسوا كيانًا سياسيًا مستقرًا. مع مرور الزمن، تطورت هذه القبائل إلى مجتمع منظم أسّس مملكة لها شأنها في المنطقة.
تعد مملكة مؤاب من الممالك القوية التي ظهرت في القرن التاسع قبل الميلاد، و يعد الملك ميشع من اشهر ملوك هذه الدولة، إذ قد قام بتوثيق إنجازاته في لوح حجري يعرف بمسلة ميشع، وبالإضافة لحديث مسلة ميشع عن إنجازات هذا الملك السياسية وانتصاراته على أعدائه في المنطقة، قد أخذت بعين الاعتبار الحياة الدينية والاجتماعية والاقتصادية للشعب المؤابي، وتعد العاصمة ذيبان هي أشهر عاصمة اتخذها المؤابيون والتي قد وجدت مسلة ميشع فيها.
لا تزال بقايا الحضارة المؤابية حاضرة حتى اليوم في عدد من مدن الأردن، منها:
• الكرك، التي كانت تُعرف قديمًا باسم قير مؤاب، وكانت حصنًا دفاعيًا ومركزًا إداريًا مهمًا.
• مادبا، التي حافظت على طابعها الحضاري والديني عبر العصور، واشتهرت لاحقًا بالفسيفساء البيزنطية.
• ماعين، المعروفة بينابيعها الساخنة، والتي كان لها دور في الحياة اليومية والدينية في مؤاب، حيث اعتُبرت موقعًا ذا طابع شفائي وروحي.
انتهت مملكة مؤاب تدريجيًا مع صعود القوى الكبرى في المنطقة، حيث خضعت في البداية لهيمنة الإمبراطورية الآشورية، خاصة في عهد الملك آشوربانيبال، الذي أتم إخضاع المنطقة. ومع انهيار الحكم المحلي، اندمجت مؤاب لاحقًا ضمن الإمبراطوريات البابلية، الفارسية، ثم اليونانية والرومانية، لتفقد بذلك استقلالها السياسي وتصبح جزءًا من تاريخ المنطقة الأوسع.
عمون
تاريخها، آثارها وسقوطها
نشأت مملكة عمون في شمال وسط الأردن الحالي خلال العصر الحديدي، ويُعتقد أن أصل العمونيين يعود إلى جماعات سامية بدوية استقرت تدريجيًا في المنطقة، وكونت كيانًا سياسيًا منظَّمًا يُعرف بـ "بني عمون ".
أُقيمت المملكة على أرض غنية بالموارد، وموقع استراتيجي مهم عند تقاطع طرق التجارة القديمة. لعب العمونيون دورًا مهمًا في التفاعلات السياسية والعسكرية في المنطقة، سواء مع الآراميين، المؤابيين، أو الآشوريين.
كانت ربة عمون التي معناها (دار مُلك)، و تُعرف اليوم باسم عمان، هي عاصمة مملكة عمون. وقد كشفت التنقيبات الأثرية في جبل القلعة عن بقايا قصور، أسوار، ونقوش عمونية، إضافة إلى معابد وأبراج دفاعية، مما يدل على التنظيم الحضري والتطور المعماري للمملكة.
بالإضافة إلى العديد من النقوش والفخاريات التي تم العثور عليها في أرض الأردن والتي تعود للحضارة العمونية فقد تم العثور على قارورة تل سيران الذي نقش فيه العديد من أسماء الملوك العمانيين في ذلك الوقت وعلى فقرة قد نصت على التالي:
"ما عمل عمينداب ملك بني عمون، ابن هصل ملك بني عمون، ابن عمينداب ملك بني عمون، عمل كرماً وبستاناً ومعبداً وصهاريج ليفرح وينعم بأيام عديدة وسنين طويلة".
أما نهاية مملكة عمون، فقد جاءت على مراحل، أبرزها خضوعها للنفوذ الآشوري في القرن الثامن قبل الميلاد، وبعد ذلك دمجت في الإمبراطورية الفارسية، ثم لاحقًا في حكم الاسكندر الأكبر فيما يعرف بالفترة الهيلنستية، ثم تفرقت المملكة بعد وفاة الاسكندر إذ قد استولى على حكمها اليونانيون.
آدوم
تاريخها،آثارها وسقوطها
نشأت مملكة أدوم جنوب الأردن، في المنطقة الممتدة من جنوب البحر الميت إلى وادي عربة، خلال العصر الحديدي الأول. إذ يُعتقد أن أصل الأدوميين يعود إلى جماعات سامية كانت تسكن المنطقة الجبلية الصحراوية. تمتعت مملكة أدوم بموقع استراتيجي وجغرافي مهم، إذ سيطرت على طرق التجارة القديمة، خاصة تجارة النحاس، الذي كان يُستخرج بكميات صناعية من وادي فينان ووادي عربة، مما ساعد في تقوية اقتصادها وبناء سلطتها السياسية.
وقد ترك الأدوميون إرثًا حضاريًا يدل على تطورهم الاجتماعي والاقتصادي والعمراني، يتجلى في مدينتهم البصيرة، عاصمتهم التي تقع اليوم في محافظة الطفيلة، وكذلك في سالع (أو سلع) قبل وصول الأنباط إليها. كما كشفت الحفريات في وادي فينان عن مجمعات صناعية ضخمة لصهر النحاس، ما يعكس مستوى عاليًا من القدرة على إدارة الموارد والصناعة في مملكتهم. ورد ذكر مملكة إدوم في السجلات المسمارية الآشورية بأسماء مثل "أودومي" أو "أودومو"، وتُذكر فيها أسماء ثلاثة من ملوكها: كاوس ملكا، ماليك رامو، وكاوس غابري. وتعكس هذه الأسماء عبادة الأدوميين للإله قوس (كاوس) بوصفه إلههم القومي، إلى جانب الإله هدد، مما يدل على طابع ديانتهم الوثنية وارتباطها بالسلطة الملكية.
انتهت مملكة أدوم تدريجيًا في القرن السادس قبل الميلاد بعد غزو البابليين، ثم فقدت أراضيها الأصلية لصالح القبائل العربية مثل الأنباط، مما دفع الأدوميين للانتقال إلى منطقة أدومية جنوب فلسطين. لاحقًا، خضعت للحكم الفارسي ثم اليوناني، إلى أن أجبرهم الحشمونيون اليهود في القرن الثاني قبل الميلاد على اعتناق اليهودية، مما أنهى كيانهم السياسي والثقافي المستقل واندمجوا لاحقًا في المجتمع اليهودي.
وفي الختام، يُظهر تاريخ الأردن في العصر الحديدي مدى أهمية هذه الأرض كمركز حضاري وسياسي في المنطقة، حيث تعاقبت عليها ممالك كموآب وعمون وأدوم، وبرزت فيها أنماط معيشية وتنظيمات اجتماعية تعكس تطور الإنسان في تلك المرحلة. إن دراسة هذه الحقبة تسهم في فهم أعمق لجذور الهوية الأردنية ودورها التاريخي في محيطها الإقليمي.
المصادر
مثيولوجيا الأردن القديم - خزعل الماجدي
https://ar.m.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A9_%D9%85%D9%88%D8%A2%D8%A8
https://ar.m.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%B3%D9%88
https://ar.m.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D9%82%D8%B4_%D9%85%D9%8A%D8%B4%D8%B9
https://ar.m.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%85%D9%88%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%86
https://www.jordanheritage.jo/reserches/the-emergence-of-ammon/#:~:text=%D9%88%D8%AA%D8%B4%D9%8A%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A%D8%A9%D8%8C%20%D8%A5%D9%84%D9%89%20%D8%A3%D9%86%D9%87,%D9%85%D8%AA%D9%8A%D9%86%D8%A7%D9%8B%20%D9%83%D8%A7%D9%86%20%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%85%D8%A7%D9%8B%20%D8%A8%D9%8A%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86
* https://ar.m.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A9_%D8%A5%D8%AF%D9%88%D9%85
https://mawdoo3.com/%D8%A3%D9%87%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85%D8%A9_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%86
https://www.mfa.gov.jo/content/History