صدر هذا الكتاب عام 1951 وهو الكتاب الرابع للكاتب يصدر بالإنجليزية. وهو يتحدث عن المذاهب المختلفة في تفسير الأحلام. وهو بذلك يذكرنا بكتاب فرويد الأشهر "تفسير الأحلام" وشتان بين هذا وذاك. صحيح أن كتاب فرويد جاء ثورياً في زمانه. وقد يكون مسؤولاً عن قسم كبير من شهرة فرويد. إلا أن هذا يتميز بشموله وتوضيحه لأربعة أوجه تتحدث عن تفسير الأحلام.
ينقسم الكتاب إلى سبعة فصول؛ مقدمة، طبيعة الكلام الرمزي، طبيعة الحلم، فرويد ويونغ، تاريخ تفسير الأحلام، في تفسير الأحلام، الكلام الرمزي في الأساطير والحكايات والروايات.
ونلاحظ مما سبق كيف أن فروم يستخدم منهجية واحدة في تفسير الأحلام والأساطير معاً. هذا قد يعني أنه ينظر إلى الأساطير على أنها أشبه ما تكون بالأحلام الجمعية. رغم أنها قد تكون مبنية على أحداث تاريخية حقيقية. وهذا أمر يشابه الأحلام كذلك. فالكثير من الأحلام قد يكون تحت تأثير حدث قد وقع بالفعل.
كي يتمكن فروم من الحديث عن الأحلام والأساطير، لا بد له من توضيح المنهجية التي استخدمها ويستخدمها الذين سبقوه في هذا المجال. وهذا ما كان في الفصل الثاني "طبيعة الكلام الرمزي" وذلك بعد تلك التوطئة في المقدمة. وبالتالي، كان حديثه عن ماهية الحلم، والمناهج المختلفة التي بحثت في معنى الأحلام، خاصة ذلك الفكر السائد في أن الأحلام هي عديمة المعنى والقيمة. وكما نلاحظ، بأن فروم يخالف هذا الفكر، ويستعيد أفكار من سبقوه ممن وضعوا أسساً لفن تفسير الأحلام.
يتعرض فروم فيما بعد ذلك منهجي فرويد ويونغ في تفسير الأحلام، قبل أن يستعرض معنا التطور التاريخي لتفسير الأحلام. ثم ينتقل بعد ذلك إلى أمثلة عملية في توظيف المناهج المختلف في تفسير الأحلام. وأخيراً، يرينا توظيفاً مهماً لهذه المنهجية في تفسير بعض الأمثلة من الأساطير وحتى الروايات "رواية المحاكمة لكافكا".
يمكننا تلخيص مذاهب تفسير الأحلام كما يلي:
1- الأطروحة الفرويدية تقول إن الأحلام جميعاً ما هي إلا تعبير عن طبيعة الإنسان اللاعقلانية واللاأخلاقية.
2- أطروحة يونغ تقول إن الأحلام إلهام يأتينا من حكمة لاواعية مفارقة للفرد ومتعالية عليه.
3- أطروحة فروم تقول إن الأحلام تعبر عن جميع أشكال النشاط الذهني الممكنة. فهي بالتالي تعبر عن القوى العقلانية التي تسكننا كما تعبر عن عين العقل والأخلاقية، أي أنها تعبر عن أسوأ ما فينا وعن أفضل ما فينا سواء بسواء.
وهنا، يمكننا أن نلاحظ كيف أن تفسير فرويد هو مادي محض، وهو مبني عن سوء ظن مفرط بالإنسان، حيث لا تكون الأحلام سوى تجسيد لأسوأ ما يمكن له أن يكون فينا. بينما على عكسه تماماً، يأتي يونغ ليتحدث عن كون الأحلام تمثل تجسيداً لأفضل ما هو كامن فينا. أو حتى بأنه قد يكون وحياً إلهياً. وأخيراً، نجد فروم يقف بينهما، فيرى في الأحلام ما هو تجسيد لأسوء أو أفضل ما فينا. وذلك يعتمد على الظروف أو الحالة الذهنية التي كان الحالم عليها قبيل أن يدخل في النوم. وقد يكون مذهب فروم هنا هو أقل تطرفاً من فرويد ويونغ. هذا بالطبع، لو أننا وافقنا فروم في مخالفته للمنهج السائد عن الأحلام بكونها عديمة المعنى.
أما بخصوص الأساطير، فقد أتى فروم على الأساطير التالية؛ أسطورة أوديب، أسطورة الخلق، أسطورة القلنسوة الحمراء الصغيرة، أسطورة طقس السبت، وأخيراً، رواية كافكا المحاكمة.
وكما عودنا فروم فهو إنما يطرح فكراً فرويد أولاً، ثم يطرحه للنقاش، ويقوم بعملية تصحيحه –إن أمكن لنا قول ذلك- وبعبارة أخرى، يضع نظرته الشخصية في الموضوع. فها هو يخالف ذلك التفسير الشائع لعقدة أوديب، وهو يذهب بأن الأسطورة نفسها تختلف تفسيراً عن ما يطرحه فرويد. فأوديب لم يتزوج أمه لأنه أحبها، أو رغب فيها. بل لكون أمه ملكة، فمصيرها يرتبط بمصير العرش، وبما أن أوديب قد أصبح الملك عوضا عن أبيه الذي قتله وهو لا يدري بأنه أبوه. فقد كان مضطراً للزواج بأمه. كما أن الأسطورة تتحدث عن أوديب بكونه بطلاً، فكيف له أن يأتي على مثل ذلك الفعل المكروه في مجتمعه وهو الزواج بأمه ؟ حتى إن أوديب وحين علم بفعلته فقأ عينيه. ويمكن للقارئ الكريم أن يلاحظ كم هو هذا، طرح مثير للاهتمام بحق.
كان الأمر مشابهاً في أسطورة الخلق؛ فيقول فروم بأن الاختبار الذي تعرض له مردوك كان للتأكد من قدرته على الخلق، وهذا ليس بخلق كخلق الأنثى التي تملك رحماً مصمماً خصيصاً لذلك. إنما هو خلق من كلمات. فالأنثى إذن، ليست تطمح لامتلاك القضيب كما يقول فرويد مثلاً. بل الذكر هو الذي عليه أن يثبت أنه ليس أدنى من الأنثى كي يتمكن من هزيمتها. وبما أن أصلاً تفوق الأنثى هو قدرتها على الحبل ومن ثم، الخلق. فلذلك كان الاختبار على ما كان عليه. وهذا هو أصل الصراع بين مردوك وتيامات، الذكر والأنثى.
مع القلنسوة الحمراء الصغيرة، والتي ليست سوى ليلى والذئب. حيث تكون القلنسوة الحمراء هي رمزاً للدورة الشهرية. وتكون توصيات الأم لابنتها هي بألا تلتفت إلى المغريات من حولها، وتركز على الطريق المستقيم كي لا يهاجمها الذئب بغتة فيندلق ما معها من زبدة وهي رمز للبكارة. ونجد كذلك كيف أن الرجل ليس إلا بالذئب، وأن عملية الجنس هي افتراس. وكيف أن الصياد هو رمز للحماية الأبوية. وأن عقاب الذئب جاء بأسلوب ساخر بأن تتمثل عملية محاكاة للحبل في أن يملأ بطنه بالحجارة والتي هي رمز للعقم. فالرجل لا يستطيع أن يحبل كالأنثى. ولهذا تقوم ليلى بهذا العقاب الساخر. فيموت الذئب من وطأة ثقل ما يحمله في بطنه من حجارة ثقيلة.
أما الطقس السبتي، فهو دلالة الانسجام مع الطبيعة بإعادة حالة السلام التي كان الإنسان يعيشها مع الطبيعة قبل أن سقوط آدم. وذلك يتضمن بألا يقدم الإنسان بأي عمل، سواء كان بنّاء أو هداماً مهما قلّ شأنه. ويقارب فروم بين القراءة البابلية لأسطورة السبت والفهم التوراتي لها. فقد كان السبت للبابليين يوم عقاب ذاتي. وذلك لاعتقادهم بأنه يوم زحل وزحل كان آلهة الموت. فكان البابليون يحاولون إرضاءه بعفاب أنفسهم. أما التوراة فقد حاولت حلّ هذه المشكلة بطريقة مختلفة؛ وذلك بأن تعيد التوازن الموجود قبل أن يتدخل الإنسان في الطبيعة ومن ثم، إن السبت يرمز لانتصار الإنسان على الزمن، وإزالة زحل عن عرشه، فلم يعد يوم السبت يوم زحل.
والآن، مع تأويل –ولن أقول تفسير- فروم لرواية المحاكمة. ومن أهم ما يمكننا ملاحظته هنا، هو أن فروم كان يوظف معرفته بصاحب الحلم بالتفسير الذي يقدمه. بينما نجدنا في تأويله هذا لم يأتِ أبداً على ذكر كافكا نهائياً. وهذا يفتح باب التأويل على مصراعيه. وأنا أكيد، بأنه لو قرأ عشرة أشخاص مختلفين هذه الرواية لخرج كل واحد منهم بتأويله الخاص. فليس ثمة قواعد تجعلنا نجزم أننا على صواب. بينما معرفتنا بشخص الكاتب أو الخلفية النفسية أو الاجتماعية للكاتب ستكون مفتاحاً قوياً للتأويل تماماً كما هو الحال مع أي "حلم" وأتفق تماماً مع فروم بأن روايات كافكا، عموماً وليس هذه وحسب، قد ينظر إليها بوصفها أحلاماً أو كوابيس! ولكنني أختلف معه في هذا التأويل المتواضع في واقع الحال.
بإيجاز، هذا الكتاب أفضل بكثير من كتاب فرويد. ويعطينا أبجديات تفسير الأحلام والرموز عموماً مع استعراض شمولي لكافة المذاهب أو لنقل أبرز المذاهب التي وضعت في تفسير الأحلام والأساطير.