كشفت الدراسات الحديثة أن للقراءة أثرًا عميقًا يتجاوز كونها هواية أو وسيلة للترفيه؛ فهي من أفضل الطرق لتخفيف التوتر وتحسين الصحة النفسية. فالانغماس في عالم الكتب لا يعزز التركيز والذاكرة فحسب، بل يُنمّي القدرة على التعاطف، ويحسّن مهارات التواصل، ويساعد على فهم الذات والآخرين على نحو أعمق. وتأثير عادة القراءة يتضاعف عندما تُمارس ضمن إطار جماعي، مثل نوادي الكتب، حيث تتحول القراءة من فعل فردي إلى تجربة اجتماعية غنية تُثري العقل والروح معًا.
تُعد نوادي الكتب وسيلة مثالية لإعادة الناس إلى عادة القراءة، سواء كانوا من القرّاء الشغوفين، أو ممن انقطعت علاقتهم بالكتب، ويرغبون في استعادتها. فالنوادي توفر بيئة دافئة وآمنة، تشجع على تبادل الأفكار والانطباعات بحرية، دون أحكام مسبقة أو تسلسل هرمي. ففي نوادي الكتب، لا توجد إجابات "صحيحة" أو "خاطئة"، بل هناك احترام للتنوع وتقدير للاختلاف، ما يُسهم في خلق حوارات صادقة تُغني كل من يشارك فيها.
الانضمام إلى نادٍ للقراءة لا يقتصر على مناقشة محتوى كتاب، بل هو تجربة متكاملة. فالكثير من النوادي تضيف أبعاداً اجتماعية وثقافية للنقاش، عبر ربط النصوص بقضايا حياتية معاصرة، أو تنظيم فعاليات ثقافية مصغّرة تعزز التفاعل وتكسر الجمود. هذه اللقاءات لا تُثري الفهم الأدبي فحسب، بل تعزز أيضاً الروابط الاجتماعية، وتمنح المشاركين شعوراً بالانتماء، ما ينعكس إيجاباً على الصحة النفسية.
تلعب نوادي الكتب دوراً كبيراً في دعم الصحة النفسية والاجتماعية والثقافية عبر خلق مساحات للتواصل الإنساني. فالمشاركة في الحوارات الأدبية، والاستماع إلى وجهات نظر مختلفة، يساعد على تقوية المهارات الاجتماعية، وبناء الثقة بالنفس، وزيادة تقدير الذات والمخزون المعرفي للأفراد. والأهم من ذلك، أنها وسيلة فعّالة لمحاربة العزلة، إذ توفّر فرصة حقيقية للتواصل والتعبير، ما يساهم في تقليل مشاعر القلق والاكتئاب.
من خلال النقاشات التي تتناول قضايا اجتماعية أو فكرية عميقة، تُصبح نوادي الكتب منصات حقيقية للنمو الشخصي والتحول المجتمعي. فالتأمل الذاتي الذي يولّده النقاش، وزيادة الوعي الفردي، يرتبطان بتحسين مهارات اتخاذ القرار، وتعزيز السلوك الإيجابي، وتقوية ضبط النفس. كل ذلك يجعل من نادي الكتاب أكثر من مجرد لقاء شهري؛ بل خطوة نحو بناء مجتمع أكثر وعياً وتماسكاً.
وحرصاً على تعزيز الصحة النفسية والثقافية في المجتمع، أطلقت مكتبة عبد الحميد شومان خلال السنوات الأخيرة سلسلة من نوادي الكتب المتنوعة، انسجاماً مع دورها الريادي ومسؤوليتها الثقافية. وقد لاقت هذه النوادي إقبالاً لافتاً من الجمهور، ما عكس عطشاً حقيقياً لمثل هذه المبادرات، حيث استقطبت مشاركين من مختلف الفئات العمرية، تناوبوا على حضور ستة أندية اختلفت في مواضيعها وعناوينها.
بداية من "نادي شومان" الذي لا يحكمه نمط قراءة محدد، فهو يتناول في كل جلسة موضوعاً وكتابًا مختلفًا، حسب رغبة الحضور، إلى "نادي عمّان/المدينة" المختص بكتب أدبية تحكي عن المدينة روحاً ومعماراً، و "نادي اللغة الإنجليزية" الذي لا يتناول بالضرورة كتباً وعناوين بقدر ما يتناول مواضيع وأفكاراً يناقشها الحاضرون باللغة الإنجليزية، ما يطور لغاتهم وقدراتهم على الحوار، إلى جانب ذلك استضافت المكتبة "نادي اللغة اليابانية" الذي يناقش عناوين باللغة اليابانية حصراً، ويحضره مجموعة من متعلمي اللغة، كما تم إطلاق "نادي نجيب محفوظ" للقراءة الذي يستحضر تجربة الكاتب الأدبية الطويلة ويناقش رواياته، بما فيها من أدب وفلسفة، وأخيراً كان هناك "نادي إنسانيات" الذي يناقش العلوم الإنسانية، من خلال كتب تشكل مقدمات لمختلف العلوم، في الفلسفة والسياسة والاجتماع وغير ذلك.
في نهاية الأمر، يمكن القول إن نوادي الكتب ليست فقط مكاناً لمناقشة الأدب، بل هي منصّة للحوار، والانفتاح، والنمو الشخصي والجماعي. إنها دعوة إلى التفكير خارج الصندوق، وإعادة التواصل مع الذات والآخرين من خلال قوة الكلمة المكتوبة.
نوادي الكتب وسيلة رائعة لتحسين عادات القراءة؛ إذ يُطلب منك ما تقرأه ومتى تقرأه، ويكون لديك شركاء مُستعدون للمساءلة سيعلمون إذا لم تُنهِ قراءتك. ومن المُرجّح أيضاً أن تقرأ مواد لم تكن لتختارها دائماً بمفردك. وعليه يمكنكم أن تحسبوا هذه المدونة إعلاناً غير مدفوع ندعوكم من خلاله للانضمام إلى أي من النوادي التي تقيمها المكتبة بشكل شهري، في فروعها المختلفة، لتغني تجاربكم، وتقرأوا كتباً لا تقرأونها عادة، وتتعرفوا من خلال نوادينا على غيركم من القراء والمثقفين، الذين يشاركونكم هذا الاهتمام.